“جنازة رجل”.. إنها العبارة الحقيقية الأبدية التي تختزل عمق الأشياء وكنهها، حقيقة البداية والنهاية، وحده الخالق تعالى حي لا يموت. لكن السياسة المقيتة وحساباتها حول راهن ومستقبل الجماعة أدخلت الحدث في ملهاة الدنيا بعيدا عن جلل الحدث، حتى يكون للمشاركين ثواب المشاركة في جنازة مسلم لا غير.
فحتى قبل يوم الجنازة بدأت بعض أطراف الجماعة الترويج لمسيرة مليونية مع العلم أن الأمر يتعلق بجنازة وبمأتم، فما دور المليون إلا إذا كان الأمر يتعلق باستعراض عضلات الأحياء وليس الترحم على الأموات و إكرام الشيخ بدفنه.
بالمقابل هناك من روج لأرقام متدنية عن قصد أو غير قصد، تتحدث عن بضع آلاف كأن الأمر يتعلق بقضية سياسية يختلف فيها الناس والكل يسعى إلى حشد مناصريه.
للأسف سقطت الجماعة في اللعبة بالترويج أولا للمليون ثم ثانيا لثلاثمائة ألف ربما لحسابات سياسية ضيقة، حتى لا تدفن الجماعة مع الشيخ، وحتى تقول أنها الأقوى في الشارع لكن كل حسب نيته، فمن كانت نيته أن يشارك في جنازة رجل فله ثواب المشاركة وأجرها، ومن كانت نيته المشاركة في مسيرة الجماعة فله أكثر من استحقاق داخلي وخارجي في الحاضر والمستقبل، حتى يتبين أن الجماعة فقدت زخمها الكبير أيام التسعينيات وهو معطى تأكدت منه الجماعة في شارع 20 فبراير بعد عشرة أشهر من المشي والتيه.
فكيف لشارع يرتاده الناس صباح مساء من طينة شارع “ابن تومرت” في الرباط أن يستوعب مليون أو حتى ثلاثمائة ألف من المشيعين، لكن حسابات الدنيا طغت على ثواب الآخرة.
لقد سعت بعض الأطراف إلى إدخال جنازة الراحل إلى متاهة الديربيات أو مباريات البارصا التي يضطر الناس فيها إلى الحضور منذ الساعات الأولى لدخول الميدان حتى يكتمل نصاب 90 ألف عندما يكون الملعب مملوءا بكامله، وشتان بين مباراة البارصا وشارع “ابن تومرت” بالرباط.
أيا كان الرقم، شعب البارصا ناقص الثلثين أو ثلاثة الأرباع، أو شعب البارصا مضروب في ثلاثة أو أربعة، لقد مات الرجل وترك الجماعة وشارع ابن تومرت وكل شوارع التيه ورحل إلى دار البقاء، فقبله كانت جنازة عبد الرحيم بوعبيد، فهل حال الإتحاد الاشتراكي اليوم كما تركه بوعبيد؟ وهل كل من مشى في جنازة بوعبيد كان اتحاديا؟
300 ألف أو 70 ألف أو 30 ألف أو 25 ألف التي اصطفت في شارع ابن تومرت على امتداد أقل من كيلومتر لن تكون لها دلالة إذا لم تكن خالصة بنية المشاركة في جنازة، أما إذا كانت مشفوعة بحسابات السياسة المقيتة فلن تكون في العمق إلا بداية الطريق بمنعرجاته التي تفرضها السياسة البغيضة على الأفراد والجماعات عندما يرفض الناس الاستفادة من الصدقة الجارية ولا يدع الولد لأبيه ولا ينتفع الناس بعلم عالم بعينه، حتى لا يتم تشبيه ياسين بـ”ميسي”، أو جنازته بمباراة البارصا أو ديربي الرجاء والوداد وتضطر الجماعة لخوض مباريات استعراضية أخرى بدون جنائز، وتبقى حبيسة حسابات الأرقام في معترك السياسة الحقيقي بعيدا عن حرمة المآتم.
رحم الله عبد السلام ياسين وأبعده عن حسابات الربح والخسارة حتى لا يؤخذ غدا بذنب قد يقترفه غيره باسمه أو باسم علمه.
لقد مات الرجل ولن يعوض مكانته أي مريد من المريدين كبر سنه أو صغر، وحتى لا تطلب غدا شهادة شارع “ابن تومرت” فيظهر كذب الكاذبين حول الأعداد المشاركة في جنازة رجل لا يعرف عنه الناس إلا سعيه ليكون من الصادقين، فكيف لمريديه أن يكونوا يوم الدفن من الكاذبين و في الأرقام نافخين ولحسابات الدنيا واستغلال جنازة الرجل مهرولين؟
وهذه مجموعة من صور الجنازة و لكل أن يعد عده، لقد انتهت الجنازة و كل مشارك عاد من حيث أتى.