من يعتذر لمن؟ أيعتذر الأمين العام لأكبر حزب في الحكومة للقوات العمومية، أم يتعذر نيابة عن القوات العمومية لبرلماني في حزبه؟ هذا هو السؤال المطروح منذ أن تداولت بعض المنابر أن بن يكران، بصفته رئيس الحكومة، قرر أن يقدم اعتذارا إلى البرلماني عبد الصمد الإدريسي عن استهدافه أثناء تدخل القوات العمومية.
أن يعتذر أمين عام لحزب لأحد برلمانييه، خارج المؤسسات ومن باب ترضية الخواطر، فهي مسألة داخلية، ولا تهم المؤسسات في شيء، أما أن يتطوع رئيس الحكومة للإعتذار باسم الحكومة ونيابة عن القوات العمومية عن شيء لم تفعله، فهو أمر يستحق أكثر من وقفة تأمل لأنه يشكل سابقة فيها تجني كبير على هيبة الدولة وشرف القوات العمومية والإدارة الترابية.
ما حدث يوم 27 دجنبر الماضي، تكلم حوله البرلماني وحزبه والمؤسسة التي ينتمي إليها، وقال البرلماني الإدريسي روايته، وهي رواية كاذبة ادعى فيها أنه تم تعنيفه، لأنه تدخل بشكل حضاري وقام بالمتعين عن طريق كشف صفته وهويته من أجل منع القوات العمومية من تعنيف أحد المتظاهرين. غير أن هناك رواية وحقيقة أخرى لا زالت قابعة في رفوف النيابة العامة بالرباط، معززة بتسجيلات لتدخل القوات العمومية، ولفضول البرلماني حين تدخل في ما لا يعنيه، فلا هو سلطة إدارية، ولا سلطة رئاسية للقوات العمومية، فهو ليس وكيلا للملك حتى يتدخل من أجل منع القوات العمومية من ممارسة مهامها.
الرجل كان مارا من الشارع مرور الكرام، ولأن مروره صادف وقفة احتجاجية للباحثين عن الشغل أمام البرلمان بالرباط، ولأنه برلماني ومن الحزب الحاكم فقد أعطى لنفسه صلاحية منع القوات العمومية من التدخل، وعندما تدخل الباشا، ممثل السلطة الإدارية صاحبة قرار فض الوقفة، وإيقاف مصدر الحجر الذي طال القوات العمومية، كان البرلماني لبقا مع الباشا أكثر من اللازم، واحترم اختصاصاته ولم يقل له إلا كلاما لبقا مثل: “إلى كنت انت هو الباشا آجي شدني”. وعندما تدخل أحد ضباط الأمن، لم يقم البرلماني إلا باحتقاره ونعت أفراد القوات العمومية بالهمجية، وكان البرلماني لبقا أيضا مع الضابط، ولم يقل إلا كلاما غير ساقط من قبيل: “انت ما عندك حتى الباك”، والأكثر من هذا فهو لم يقم إلا بتهديد الجميع بلغة الآمر الناهي :”أنا غادي نصيفطكم فين تسرحو”.
فالرجل البرلماني الذي يحترم نفسه ويحترم المؤسسات لم يستعمل إلا قاموسا آت من مغرب آخر، قاموس يستعمله الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، ويبيحون لأنفسهم الإدعاء بأنهم قادرون على القهقرة الاجتماعية للموظفين ليحولوهم جميعا إلى رعاة، ويحتكرون العلم لأنفسهم، فهم وحدهم المتعلمون، والباقي رعاة ومستواهم الثقافي منحط.
اعتذار بن كيران يجب أن يكون مسؤولا، وأن يعتذر أولا للقوات العمومية، التي طالتها نيران البرلماني الإسلامي حين احتقرها واحتقر معها كل حامل السلاح من أجل استقرار البلد، عوض أن يتطوع ليتعذر حيث لا يلزم وباسم غيره وفي غير ذي موضوع.
إن اعتذار بن كيران بالمقلوب كرئيس للحكومة ينتصر ويزكي خيار المساس بهيبة الدولة، فالقوات العمومية لم تختر، لا هي ولا السلطة الإدارية، أن تفرق بالقوة تظاهرة بالشارع العام، بل هي تمارس عملا قانونيا منصوصا عليه في مدونة الحريات العامة، أوكله المشرع إلى قوة نظامية وأعطاها كل الضمانات الضرورية، لأنها عندما تتدخل فهي غير مطالبة باستثناء أفراد الحزب الحاكم، وغير مطالبة بأخذ إذنهم، وللسلة التشريعية والتنفيذية أن تسائلها في إطار المؤسسات، عن كل تجاوز مفترض في استعمال الحق.
اعتذار بن كيران، إذا حدث، سيشكل سابقة خطيرة في علاقة المؤسسات المكلفة بتنفيذ القانون باسم الدولة، وباقي المؤسسات الدستورية. فقبل الاعتذار، هناك مسطرة قانونية موضوعة على الرف داخل دولاب النيابة العامة بالرباط، تتضمن تصريحات ضحايا البرلماني وتصريحات أكثر من شاهد حول الإهانة والتحقير والسب والقذف في حق القوات العمومية التي تبرع بها النائب عبد الصمد الإدريسي على هيئة ينظمها القانون. فلماذا لم يتم تحريك المساءلة في حق البرلماني؟
اعتذار رئيس الحكومة سوف يفتح الباب على مصراعيه حول حقيقة احترام الحكومة للدستور، في ما يخص حماية حقوق الإدارة والآليات الموضوعة رهن إشارة الحكومة من أجل تنفيذ سياستها. ويجعلنا جميعا نطرح السؤال حول وجود تقاطع مفترض بين الحكومة والأطراف العاملة من أجل ضرب مصداقية الدولة وهيبتها، لأنه خارج هذا السياق، فاعتذار بن كيران لن يكون إلا لنفسه كحزب، وسيكون بغيا على القوات العمومية والإدارة الترابية، التي وضعها الدستور رهن إشارة الحكومة.
أكورا بريس