باعتبار الصحة حقا أساسيا لكل مواطن ومكونا ضروريا لتحقيق التنمية، لم يدخر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله ، منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين، جهدا ولا وقتا في سبيل ضمان العدالة الاجتماعية والمساواة في الولوج إلى العلاجات الطبية.
وقد جعل صاحب الجلالة من النهوض بقطاع الصحة بالمملكة أولى أولوياته، من خلال إدراجه ضمن الأوراش الأساسية الوطنية الكبرى والمراهنة عليه كركيزة أساسية في مسلسل تعزيز المواطنة وتحقيق التنمية البشرية الشاملة والمندمجة.
وتبتغي هذه المقاربة الملكية تحقيق رفاهية جسدية ونفسية مُرضية للساكنة، وكذا ضمان ظروف صحية ملائمة تمكنهم من المساهمة الكاملة والناجعة في الأنشطة المنتجة وتطوير مجتمعهم.
وفي الواقع، لم يفتأ جلالة الملك يكثف المبادرات الرامية إلى ضمان الولوج العادل للرعاية الصحية لفائدة المواطنين، في إطار سياسة القرب، وتحسين الحالة الصحية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والمسنين، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، بالإضافة إلى ضمان السيادة الصحية للمملكة.
وبالفعل فقد تعززت هذه الجهود والأعمال بإطلاق أشغال إنجاز مصنع لتصنيع اللقاح المضاد لكوفيد-19 ولقاحات أخرى، وهو مشروع هيكلي سيساهم في تأمين السيادة اللقاحية للمملكة ولمجموع القارة الإفريقية.
وتندرج هذه الوحدة الصناعية في إطار تنفيذ رؤية جلالة الملك الرامية إلى جعل المملكة قطبا بيوتكنولوجيا لا محيد عنه على صعيد إفريقيا والعالم، قادرا على تأمين الاحتياجات الصحية للقارة على المديين القصير والطويل، من خلال إدماج البحث الصيدلاني والتطوير السريري، وتصنيع وتسويق المنتوجات البيو-صيدلية ذات الضرورة الكبرى.
وستضمن هذه الوحدة الصناعية التي تحمل اسم “سينسيو فارماتيك”، والتي ستكون أكبر منصة من حيث القدرة على التعبئة والتغليف في إفريقيا، تصنيع وتعبئة اللقاحات المضادة لكوفيد-19 ولقاحات أخرى.
كما تجسد الاهتمام الخاص الذي يوليه صاحب الجلالة للقطاع الصحي من خلال إشراف جلالته في 5 ماي الماضي بالرباط على إعطاء إنطلاقة أشغال إنجاز المستشفى الجديد “ابن سينا”، وهو مشروع مستقبلي يأتي لتعزيز العرض الصحي بالمملكة بقدرة استيعابية تفوق ألف سرير.
ويعكس هذا المشروع ذو البعد الاجتماعي القوي، والمندرج في إطار رؤية شاملة لتعزيز البنية الصحية الحالية للمملكة، الدور المركزي الذي يوليه جلالة الملك لتعزيز الخدمات الصحية الأساسية وتقريبها من المواطنين وتنمية قدرات الموارد البشرية في هذا القطاع الحيوي، وعزم جلالته على ضمان تمكينهم من تكوين ذي جودة، يساير التطور العلمي والتكنولوجي المسجل في مجال العلاجات والوقاية والحكامة الصحية، وذلك طبقا للمعايير الدولية.
بالموازاة مع ذلك، تجسدت إرادة جلالة الملك في تنزيل العدالة الاجتماعية بشكل واضح في مشروع تعميم الحماية الاجتماعية الذي أطلقه صاحب الجلالة في 14 أبريل 2021.
وسيستفيد من هذا الورش الملكي، في مرحلة أولى، الفلاحون وحرفيو ومهنيو الصناعة التقليدية والتجار، والمهنيون ومقدمو الخدمات المستقلون، الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة ولنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة، ليشمل في مرحلة ثانية فئات أخرى، في أفق التعميم الفعلي للحماية الاجتماعية لفائدة كل المغاربة.
ويشكل هذا المشروع ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، ومساهمته في إدماج القطاع غير المهيكل.
وبعد سنة من إطلاقه، أكد رئيس الحكومة في شهر يونيو الماضي، في معرض جوابه على سؤال محوري خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس النواب، حول موضوع “ورش الارتقاء بالمنظومة الصحية الوطنية”، أن باب التأمين الصحي فُتح أمام 11 مليون مواطن ومواطنة من العمال غير الأجراء وذوي الحقوق المرتبطين بهم، مبرزا أن الأمر يتعلق بمليون و600 ألف فلاح، ونصف مليون حرفي، و800 ألف من التجار والصناع التقليديين الخاضعين لنظام المساهمة المهنية الموحد، أو الذين يمسكون محاسبة وكذا المقاولين الذاتيين، و140 ألف من سائقي سيارات الأجرة، فضلا عن 230 ألف من السائقين المهنيين.
وأضاف أن التأمين الصحي شمل أيضا، الأطباء والصيادلة والمهندسين والبياطرة والطبوغرافيين والقوابل ومهن الترويض وصناع الأسنان والمتخصصين في التغذية والموثقين والمرشدين السياحيين والعدول والفنانين، وغيرهم من الفئات.
وهكذا، يتجسد عمل صاحب الجلالة الذي ينطوي على العديد من القيم الإنسانية في مجموعة من المبادرات الرامية إلى تحقيق الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة، ويتعلق الأمر بتمكين الجميع من العيش بصحة جيدة وتعزيز الرفاهية للجميع، في جميع الأعمار، في أفق 2030، كما التزم المغرب بذلك، على غرار باقي أعضاء المجتمع الدولي.