فيديو: التسجيل الكامل للخطاب الملكي بمناسبة الذكرى ال49 للمسيرة الخضراء
يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، يوم غد السبت، الذكرى السابعة والتسعين لمعركة أنوال المجيدة، التي حقق فيها المقاومون والمجاهدون المغاربة الأفذاذ بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي انتصارا كبيرا على قوات الاحتلال الأجنبي.
وذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال بالمناسبة، أنه منذ مطلع القرن العشرين، وتحديدا منذ 1907 وإلى 1912، قاد المقاوم الشريف محمد أمزيان حركة ثورية بطولية في مواجهة الغزاة، وخاض غمار عدة معارك ضارية ضد قوات الغزو الأجنبي، حقق فيها انتصارات باهرة، وظل صامدا في وجه الاحتلال الأجنبي إلى أن سقط شهيدا في ساحة الشرف والكرامـة يوم 15 ماي 1912.
وجاءت مقاومة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي كامتداد لهذه المقاومة الريفية في الزمان والمكان، حيث استطاع بفضل شخصيته القوية هيكلة حركة المقاومة وتنظيمها سياسيا واستراتيجيا وعسكريا ولوجيستيكيا، لتشمل مناطق الشمال بكاملها.
وتميزت حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي التحريرية بدقة وإحكام التنظيم وبالقدرة على الاستقطاب وبالتخطيط المتقن، إذ كانت معركة أنوال في يوليوز سنة 1921 بمثابة الضربة القاضية للقوات الأجنبية بفضل الأسلوب المتطور في الحرب واستباق الأحداث واكتساح الميدان.
وبعد مواجهات ضارية مع قوات الاحتلال، وصل قائدها العام الجنرال “سيلفستر” الذي اشتهر بخبرته وتجربته العسكرية، على رأس قوة عسكرية لفك الحصار عن قواته، لكنه عجز واضطر إلى الانسحاب والتراجع إلى مليلية، فلاحقه المجاهدون الريفيون بقيادة القائد البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، وتوجت هذه المعركة الكبرى التي دارت رحاها بمنطقة أنوال بانتصار ساحق للمجاهدين الأشاوس، مما شكل ضربة موجعة للغزاة المعتدين الذين تكبدوا خسائر فادحة في الجنود والعتاد، حيث قدر عدد القتلى بالآلاف، من بينهم الجنرال “سلفستر”، كما غنم المجاهدون أسلحة متطورة كثيرة ومتنوعة.
وبعدما تكبدت أفدح الهزائم، تراجعت القوات الاستعمارية وتمركزت بمدينة مليلية، بينما حظيت حركة التحرير الوطني بتأييد وإعجاب العديد من حركات التحرر الوطني في العالم المؤيدة للشعوب المضطهدة، التي وجدت في معركة أنوال مرجعية في فنون الحرب، إذ منيت القوات الاستعمارية خلال معركة أنوال بهزيمة ثقيلة أربكت حسابات الغزاة المحتلين الذين اهتزت أركان جيوشهم الجرارة المدججة بأحدث الآليات والتجهيزات العسكرية وبقوة الحديد والنار، فاضطروا بذلك للتفاوض مع المجاهدين لحفظ ماء الوجه.
وبالرغم من تحالف قوات الاستعمارين الاسباني والفرنسي، استطاع البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي وأنصاره الصمود في وجه قوات الظلم والطغيان لمدة سنة كاملة، دخل خلالها في مفاوضات مع قيادتيهما، حيث جرت عدة لقاءات ومحادثات مع القوتين العسكريتين، أسفرت عن قبول شرط إيقاف الحرب الريفية دون تسليم الأسلحة.
وبعد أن تبين للقائد البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي أن هذه الحرب غير متكافئة بين الجانبين، فضل تسليم نفسه للمحتل الفرنسي حقنا للدماء صبيحة يوم 26 ماي 1926.
وتواصلت نضالات أبناء الشمال وساكنة مناطق الريف إثر نشوء الحركة الوطنية والتحريرية وانتشارها في سائر ربوع الوطن وغداة اعتلاء جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه عرش أسلافه الميامين في 18 نونبر 1927.
وأكدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أن أسرة المقاومة وجيش التحرير تتوخى، وهي تخلد هذه الذكرى المجيدة وتحتفي بأبطالها ورموزها الأفذاذ، استلهام الدروس والعبر من الأبعاد الرمزية والدلالات العميقة لهذا الحدث الوطني البارز والمجيد الذي ما أحوج الناشئة والأجيال الجديدة إلى استيعاب مضامينه ودلالاته، حتى تتربى وتشب على الروح والقيم الوطنية النبيلة وتتشبع بفضائل المواطنة الايجابية والسلوك المدني القويم، لأن في ذلك تحصينا للناشئة وتمنيعا لها من انعكاسات التحديات والتداعيات التي يشهدها العالم اليوم أكثر مما مضى، والتي تهدد كيان الشعوب وخصوصياتها وتحيق بموروثها الحضاري والثقافي والنضالي والقيمي.
كما اغتنمت المندوبية السامية هذه المناسبة الخالدة لاستحضار قضية الوحدة الترابية المقدسة، للتأكيد على التعبئة المستمرة واليقظة الموصولة لأسرة المقاومة وجيش التحرير كسائر فئات وأطياف المجتمع المغربي، والإجماع الوطني وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل صيانة الوحدة الترابية للمملكة وتثبيت المكاسب الوطنية.
وأضافت أن تخليد الشعب المغربي بسائر مكوناته وفئاته وأطيافه، في هذه السنة للذكرى المجيدة لمعركة أنوال وما حققته من فتوحات وانتصارات، يتميز بأجواء التعبئة المستمرة واليقظة الموصولة في مواجهة خصوم الوحدة الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية، خاصة والمغرب من أقصاه إلى أدناه يواصل اليوم مسيرات البناء والنماء وإعلاء صروح العهد الجديد، عاقدا العزم على تحقيق تعهدات المشاريع التنموية الكبرى المندمجة في الجهات، بما يستجيب للتطلعات والطموحات المشروعة للمواطنين في رغد العيش الكريم وفي الرفاه الاجتماعي والاستقرار المجتمعي.