(عن الحائط الفييبوكي للصخافية “حنان رحاب”)
أن من يقول مثل هذه العبارات لا يسعى بتاتا إلى تبيان الحقيقة والعمل على إحقاق العدالة كما يدعي المنظمين بل تهدف بلوغ غاية أخرى لا علاقة لا بالعدل ولا بالحقيقة.
ففي أول نشاط ” ندوة ” لهذه اللجنة كشفت أنها ليست أكثر من أداة لمساندة بوعشرين، مدير أخبار اليوم وموقع اليوم 24 المتهم بالاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي والاغتصاب، والذي تقول النيابة العامة إنها تتوفر على 50 شريطا توثق للممارساته الجنسية، وهي الأشرطة التي لم يجرؤ المتهم ولا دفاعه لحد الآن على طلب إجراء خبرة علمية عليها لإثبات صحتها أو فبركتها.
ولا شك أن من حق أصدقاء المتهم و”أنصاره”، الدفاع عنه، ومن حقهم أن يحشدوا له الدعم القانوني (من محامين ومستشارين قانونين ومختصين في مختلف القوانين). ولكن ليس من حقهم البتة إغلاء المشتكيات والمصرحات وإقصائهن وحرمانهن من المطالبة بحقوقهن، ومنعهن السعي أمام القضاء للقصاص ممن يعتبرهن معتديا عليهن. وما على القضاء سوى الفصل في الأمر.
إن من يسعى إلى تبيان الحقيقة وإحقاق العدالة، ينصت إلى كل أطرف القضية التي يبحث فيها، ويتمعن في موقف كل طرف وأدلته ومدى صدقية أقواله، دون اعتبار للصحبة أو الرفقة أو أي علاقة أخرى حزبية كانت أو عقائدية أو إيديولوجية. والحال أن هذه اللجنة منذ تأسيسها اقتصرت على عائلة وأصدقاء وأنصار عبروا عن مواقف مساندة ومتضامنة منذ البداية مع طرف واحد هو المتهم، وحتى النشاط الذي نظمت في ليلة السبت الأحد بالرباط، حضر فيه المتهم بكلمة وغابت المشتكيات لان لا احد تواصل معهن او جلس معهن قبل عقد الندوة او أثناء التحضير لها وهذا ابسط ادبيات البحث عن الحقيقة ، فغاب اذا صوتهن، غابت شكواهن، كأنهن مجرد خيالات لا وجود لها في الواقع.
كيف يمكن لحقوقيين ومحامين وناشطين أن يسمحوا لأنفسهم بهذا السلوك الذي يضرب بقواعد حقوق الإنسان التي يؤمنون بها مبدئيا. فلو كان المشاركون في نشاط هذه اللجنة ” محايدين ” في مواقفهم لكانوا أصروا على الاستماع إلى طرفي هذه القضية أيام قبل عقد ندوة تفصلها عن تاريخ تأسيس لجنة ما يسمى ” الحقيقة والعدالة ” أسبوعا واحدا فهل يمكن الوصول الى الحقيقة بهذه السرعة ، وبالاكتفاء بالانصات إلى طرف واحد، بل واعتبار كلامه هو الحقيقة، وما عداه مجرد كلام في مهب الريح لا قيمة له.
إن المشتكيات والمصرحات اللواتي لم يقِم لهن المشاركون في نشاط هذه اللجنة ” المقام في أفخم الفنادق ” وزنا، هن مواطنات مغربيات لهن الحق في الصدح بما يتعرضن له من اعتداء، ولهن الحق بالتقدم بالشكاوى أمام القضاء. وليس لأحد الحق في إلغاء وجودهن فقط لأنهن كسرن جدار الصمت وصرخن أمام الملأ بما تعرضن له .
هل سبب هذا الإقصاء هو كون المشتكيات مجرد صحافيات بسيطات، أو مجرد مستخدمات ، ولا يستحقن الاهتمام بشكواهن أمام صحافي مشهور له شبكة من العلاقات الممتدة والمتشعبة؟ هل من مبادئ حقوق الإنسان التمييز في التعامل مع الناس بناء على سلطتهم المعنوية أو المادية؟ هل يريد هؤلاء الحقوقيون تكريس مساواة المغاربة أمام القانون أم إلغاؤها، فيتم التعامل مع صاحب السلطة والمكانة بطريقة، بينما يجري التعامل من “أيها الناس” بطريقة أخرى؟
إن الدفاع عن حقوق الإنسان يقتضي- أولا وقبل كل شيء- نوعا من الصرامة مع النفس، والتزام الحياد، والسعي وراء معرفة الوقائع من مصادرها (هنا المشتكيات ومصرحات والمتهم) مباشرة. وبعد ذلك استخلاص الخلاصات التي تفرض نفسها.
أما ادعاء السعي وراء الحقيقة والعدالة، والاكتفاء بالإنصات لطرف واحد ومناصرته دون أدنى تحفظ، فإنه يعتبر نوعا من المشاركة فيما اقترفه المتهم، إن قضى القضاء بأنه متورط في التهم التي يتابع بسببها، ويعتبر اعتداء على المشتكيات ويعتبر كذلك وهذا هو الأخطر رسالة إلى كل المغربيات اللواتي يتعرضن للاعتداءات والاستغلال الجنسي، تقول لهن: عليكن التزام الصمت، والانكفاء على آلامكن وجراحكن والاستمرار في الخضوع لتجاوزات أرباب العمل في مكاتبهم، لأنكن إن فضحتن من يعتدي عليكن، فسنسرع إلى مناصرته ودعمه، وسنشكل من أجله اللجان، وننظم له الندوات، ونعرض روايته فقط للأحداث. أما أنتن، فلا يحق لكن سوى الأقصاء والإلغاء…
سبق “للمتهم” بوعشرين أن قال إن هذه القضية التي يتهم فيها بتهم مشينة “مدخلها سياسي” ويريد لها مخرجا قانونيا. و على ما يبدو، فأنصاره يسعون عبثا إلى شيء آخر. فهم يعلمون أن هذه القضية مدخلها قانوني ويريدون لها مخرجا سياسيا. وهذا طبعا أمر بعيد كل البعد عن “الحقيقة والعدالة”.