كتبت جريدة “القدس العربي”، يوم 19 مارس الجاري، في ركن “رأي اليوم”، مقالة افتتاحية بعنوان: “المخابرات والمجتمع المدني بين لبنان والمغرب”.
فعلا يبدو العنوان، سواء في النسخة الورقية أو الإلكترونية للجريدة، مثيرا ومغريا. كيف لا وأنه يتحدث عن بلدين متباعدين جغرافيا وسياسيا وثقافيا وتاريخيا وحاضرا، ثم يلتقيان هكذا فجأة على صفحات “القدس العربي”. لكن بمجرد الإنتهاء من قراءة سطور “رأي اليوم” لهذه الجريدة، يأتكد كل صاحب منطق سليم أن الكاتب أصر فعلا على إسقاط “الطائرة في الحديقة”، ويتأكد كل راسخ في علم دهاليز إطلاق الجرائد في عاصمة الضباب “لندن”، أن خلق المنابر الإعلامية هناك، يفرض دائما خليط من عرابي الإعلام العربي وسماسرته الكبار الذين يتقنون فن التماهي مع مخابرات “الموساد”، ومخابرات بعض دول الخليج.
ولو لم يخرج كبار الصحافيين الذين اشتغلوا سابقا بجريدة القدس العربي، عن صمتهم، لما علم أحد حقيقة هذه الجريدة البائعة لوهم “حرية التعبير والصحافة”، والجامعة لملايين الجنيهات الاسترليتية من خلال حسابات مشبوهة مفتوحة بلندن لاستقبال أموال من مخابرات دولتين معرفوتين في الخليج.
لنعد إلى “الاكتشاف التاريخي والفريد من نوعه”، لجريدة “القدس العربي، والذي عنونته بالقول: “المخابرات والمجتمع المدني بين لبنان والمغرب”. فهذا الاكتشاف يقول إن وجه الشبه بين مخابرات لبنان ومخابرات المغرب، كون الأولى لفقت “تهمة التعامل مع إسرائيل للفنان المسرحي اللبناني زياد عيتاني، وكون الثانية (أي المخابرات المغربية)، كانت وراء “حادثة الصحافي المغربي توفيق بوعشرين، ذلك أن ملابسات عديدة رافقت الاتهام والاعتقال دفعت الكثيرين من المغاربة، من سياسيين وإعلاميين ومواطنين عاديين، إلى الشكّ بحيثيّات هذه الواقعة، وردّها إلى شجاعة بوعشرين في تصدّيه للسلطات الأمنية، وللجهات السياسية النافذة ضمن «المخزن» (مؤسسة الدولة العميقة)، وبالتالي إلى أسباب سياسية”.
يا سلام..حين تفتي جريدة مثل “القدس العربي” بإباحة أعراض الأوطان وأعراض الناس لأشخاص يقال عنهم إنهم جريؤون ومعارضون ومبدعون ومزعجون لانظمتهم السياسية، أليست هذه الفتوى قمة “الصهينة” يا جريدة “القدس العربي؟
كلا الحالتين وكلا التهمتين المتضمنتين في هذا الاكتشاف “المبهر” لجريدة “القدس العربي”، لا علاقة له بالمواقف السياسية المعارضة للفنان المسرحي اللبناني، ولا في جرأة قلم الصحافي الألمعي المغربي توفيق بوعشرين. فالأمر يتعلق بأفعال جنائية تندرج في خانة الحق العام، ولا علاقة لها بحرية الرأي والصحافة أو المواقف السياسية.
أتساءل شخصيا باستغراب: هل اعتمد كاتب رأي القدس العربي على استطلاع رأي أو دراسة علمية ليحسم قول “…دفعت الكثيرين من المغاربة، من سياسيين وإعلاميين ومواطنين عاديين، إلى الشكّ بحيثيّات هذه الواقعة..”، أم أنه اعتمد تفاهات بعض المتنطعين الذين اوهموا أنفسهم انهم معارضون للنظام السياسي المغربي وأنهم سياسيون واعلاميون اقحاح؟!
ولكي تزين “القدس العربي” كذبتها، كتبت أن بوعشرين انتقد التدخلات الأمنية خلال احتجاجات الريف، وأنه هاجم شخصيات نافذة وانتقدها. لكن ألا يعلم هذا كاتب رأي “القدس العربي” الفذ، أن الكثير من الصحافيين المغاربة حذوا حذوا بوعشرين في انتقاد التدخلات الأمنية والشخصيات النافذة، فلماذا لم يتم اعتقالهم هم أيضا؟
ثم انتقل كاتب رأي القدس العربي ليمارس التدليس على القراء، حين كتب أن بوعشرين دافع عن رئيس الوزراء المستقيل عبد الإله بن كيران. فمتى استقال بن كيران ؟! ألم يفشل في تشكيل حكومة ثم تم اعفاؤه وتعيين رئيس حكومة آخر من حزبه وفق الدستور، ألا وهو سعد الدين العثماني.
نحن المغاربة المهتمون والسياسيون والحقوقيون والإعلاميون أعلم بالكفاءة المهنية لتوفيق بوعشرين وبجرأة قلمه، لكن هذا لا يشكل له حجابا يستر افعالا يعاقب عليها القانون، حين يرتكبها.
ثم هل تريد جريدة “القدس العربي” أن الكبار لا يسقطون ولا يخطؤون، وحتى إذا أخطأوا وجب سترهم من فضائحهم؟ فكم كبير سقط في فضائح جنسية ومالية وأخلاقية، ألم يحدث هذا مع الرئيس الأمريكي كلينتون، ومع الرئيس الحالي ترامب، ومع الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، والمرشح للرئاسة الفرنسية “فيون”، والرئيس السابق لفرنسا ساركوزي، اللائحة طويلة.
تغوّل الاعلام الموجه في التدليس والكذب علامة كاشفة على أن بوصلة الصحافة في العالم العربي تشير إلى أسفل، حتى لو صدرت من لندن.