الحصيلة السنوية للأمن الوطني: إحصائيات مكافحة الجريمة بكل أنواعها والتهديدات الإرهابية
أكورا بريس: ترجمة نبيل الصديقي عن مجلة “جون أفريك”
بعد سنة من مغادرة زين العابدين بن علي لتونس، تلقي مجلة “جون أفريك”، في عدد خاص، الضوء على حقائق جديدة مفادها أن تاريخ 14 يناير، يوم الهروب، لم يكشف عن جميع أسراره، وتعتمد مجلة “جون أفريك” في كشفها لهذه الحقائق على شهادات ضباط سامين ومسؤولين أمنيين عاليي المستوى، حيث كشفت أن بن علي وزوجته كانا يوم حرق البوعزيزي لنفسه يستعدان للسفر إلى ماليزيا لقضاء العطلة، إلا أنه تم إلغاء هذا السفر، ليس بسبب البوعزيزي بل لأن ليلى الطرابلسي أحست باضطرابات على خلفية عملية جراحية كانت قد قامت بها قبل أيام، مما اضطرها للسفر إلى دبي، وجهتها المفضلة، وبعد العودة بتاريخ 28 دجنبر كان بن علي غاضبا لأنه لم يتمكن من الذهاب رفقة ابنه (ست سنوات) إلى ماليزيا، حيث سيلقي خطابه “الغاضب” الذي أجج أحاسيس الغضب في صفوف الشعب التونسي لتنتشر نار الثورة من وسط البلاد إلى جميع أرجائها وتنتهي بطرد بن علي خارج التراب التونسي.
10-9 يناير: الاجتماع الأول بين قوات حفظ النظام والجيش، حيث اتخذ الجنرال رشيد عمار منذ يوم الغد مقتضيات تفرق بين عمليات حفظ الأمن وحماية مؤسسات الدولة، حيث أرسل رسالة إلى جميع الوحدات يخبرهم بعدم استعمال الرصاص الحي إلا في حال أمرت القيادة العليا بذلك ويقول الجنرال عمار: “لم يصلني أي أمر بإطلاق الرصاص”.
13 يناير: علي السرياتي، رئيس الأمن الرئاسي منذ 11 سنة، وبينما كانت جحافل الثورة تصل إلى نواحي العاصمة التونسية، قال إنه أخبر بن علي أن الوضعية صعبة وأن قوات الأمن لم تكن قادرة للسيطرة على الجماهير، وفي حدود الساعة السابعة مساء أخبر بن علي السرياتي أنه تم الاعتداء على منزل بلحسن الطرابلسي، أخ ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي، وبعد ذلك أصدر الرئيس التونسي أمرا بتشديد الحراسة على منازل عائلة الطرابلسي، بالإضافة إلى تشديدها على القصر الرئاسي عبر التنسيق بين الشرطة والحرس الرئاسي.
14 يناير: هذا اليوم لعب بن علي آخر أوراقه، حيث قبل ذلك يوم خاطب الشعب التونسي وقدم العديد من الوعود الجديدة، في هذا اليوم قدم السرياتي حصيلة الأمس : 28 قتيلا منهم 8 في العاصمة التونسية و6 منهم على بعد 3 كيلومترات من القصر الرئاسي. كما يقول رئيس الأمن الرئاسي أنه أخبر بنعلي بوثيقة تم تداولها عبر الانترنت تعد بمظاهرة حاشدة أمام القصر الرئاسي، حيث يقول “أخبرت بن علي أنه لن يكون يوما سهلا”، بعد ذلك قال له بن علي بألا يكشف من جديد عن عدد القتلى، كما نادى عليه إلى مكتبه لوضع التدابير اللازمة لحماية القصر الرئاسي، هنا يقول السرياتي إنه اقترح على بن علي ثلاث خطط لمغادرة القصر “سواء عبر البحر أو عبر الهليكوبتر باتجاه قصر حمامات أو عبر الطائرة إلى مكان آمن، لكنني لم أفكر في خارج تونس، كما أن بن علي لم يتطرق لهذا الاحتمال”.
حوالي العاشرة صباحا: بن علي يقول للسرياتي” لقد بلغني أن بعض رجال الأمن بزي مدني يتجهون بمظاهرات نحو منازلهم”، هنا أمر بنعلي السرياتي بحماية منازل آل الطرابلسي والقصر الرئاسي، السرياتي يطلب ذلك من الجنرال عمّار، لكن رد هذا الأخير جاء على الشكل التالي: “الجيش يحمي مؤسسات الدولة فقط”.
قبل الزوال: بخبر وزير الداخلية التونسي السرياتي أن الجموع اقتربت بشكل كبير من مقر الوزارة، وأن من بينها من شرع يتعلق بالنوافذ، ليعطي السرياتي أمره بوضع ثلاثة مدافع قرب الساحة التي تتواجد بها الوزارة، غير بعيد من مقر التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب الدولة).
12:14 سرياتي لرشيد عمار: “أخبرني الرئيس بن علي أن راشد الغنوشي سيدخل إلى تونس، وهو قلق من ألا يكون المطار ضمن النقط المراقبة”.
حوالي 13:30: تأتي ابنة بن علي وليلى الطرابلسي حليمة إلى السرياتي وتطلب منه تهريب عائلة الطرابلسي (حوالي 27 فردا) خارج تونس، لكن السرياتي ينصحها بالحديث عن هذا الأمر مع أبيها.
ما بين 13:30 والثانية بعد الزوال: “استعدوا لإطلاق النار” هو الأمر الذي أعطي لرجال الشرطة الذين كانوا يتواجدون بشارع بورقيبة قرب القصر الرئاسي، وزير الداخلية يخبر السرياتي أن الوضع أصبح خارج السيطرة، بعد ذلك أصدر بن علي الأمر بمنع المتظاهرين من الدخول إلى وزارة الداخلية قائلا: “يجب الاستمرار في منعهم”.
14:50 الكولونيل سمير الطرهوني، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب، ينتقل إلى المطار ليمنع عائلة الطرابلسي من مغادرة البلاد، وهو الأمر الذي علّق عليه بن علي باللغة الفرنسية قائلا: “هذا أمر خطير جدا”.
ما بين 15 والثالثة والنصف بعد الزوال: بن علي يقول للسرياتي: “لقد خرج الأمر من أيدينا، القضية الآن بين أيدي الجيش”، جاء هذا بعد الإعلان عن حالة الطوارئ قبل 17 ساعة. وبعد ذلك يخبر بن علي السرياتي أنه قرر إرسال أفراد عائلته لتأدية مناسك العمرة وأمر المكلف بالبروتوكول بالتهييء للسفر حيث ستسافر معنا”.
16:15 بينما كان موكب عائلة الطرابلسي يتجه نحو المطار، أخذت حقيبتي ودخلت إلى مكتب الرئيس التونسي ، حيث تم إبلاغي باقتراب طائرة هيليكوبتر من القصر الرئاسي ورسو باخرتين قرب القصر الرئاسي، كما بلغني أن حوالي 5000 شخص كانوا يتجهون نحو القصر الرئاسي”.
بعد ذلك اتجه الجميع نحو السيارات التي ستقل بن علي وعائلته وأفراد عائلة الطرابلسي إلى المطار، حيث كانت ليلى الطرابلسي تقود سيارة “لينكولن”، وبعد الوصول إلى المطار أمر السرياتي بن علي بالرحيل رفقة عائلته، الأمر الذي رفضه الأخير. حليمة ابنة بن علي والتي كانت تكره عائلة الطرابلسي، طلبت من رجل أمن إعطاءها مسدسه لتقتلهم جميعا، وكانت تصرخ “اتركوا أبي وإلا قتلتكم واحدا تلو الآخر”، هنا يقول بن علي للسرياتي: “هل سنترك البلد يواجه قدره؟ سأعود ومعي عائلتي” ويرد عليه السرياتي، مدير الأمن الرئاسي لمدة 11 سنة”، لا تعد قبل أن أكلمك في الهاتف وأخبرك بذلك”.
16:43 : وزير الدفاع التونسي يهاتف عمار، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب، حول من يحتجزون عائلة الطرابلسي وابن علي في المطار طالبا منه التدخل حتى لو تطلب الأمر إطلاق الرصاص الحي” وقد أخبر عمار رجاله بأنهم سيتدخلون لتحرير عائلة الطرابلسي وبن علي المحتجزتين في قاعة الضيوف بالمطار لكن المحتجزين أشخاص مسلحون، لذا “فالمهمة ستكون صعبة ومن الممكن سقوط ضحايا من الجانبين”. لكن وزير الدفاع حين محاكمته أنكر جميع هذه الإدعاءات وقال إنه لا يتذكر أي شي مما حدث ذلك اليوم.
16:45 الطيب لعجيمي، رئيس القيادة العليا للجيش قال إنه خلال هذه الساعة أخبره السرياتي أنهم قادمون لاستعمال الطائرة الرئاسية وطلب منهم تسهيل دخولهم للقاعدة العسكرية، وهو ما تم بالفعل.
16:55 16:55 : وزير الداخلية التونسي يخبر رئيس القيادة العليا للجيش أن طائرة هيليكوبتر تابعة لوحدة مكافحة الإرهاب ستطلق النار على الرئيس بن علي، وفور وصول موكب السيارات إلى القاعدة العسكرية وجدوا طائرات الهيلكوبتر وصلت إلى القاعدة، مما دفع السرياتي إلى الترجل من السيارة رفقة حوالي 30 رجل شكّلوا سدّا بشريا بينما كانت تظهر طائرات الهيليكوبتر غير بعيد، توقف الموكب حوالي 3 دقائق أمام قاعة الضيوف ليعطي السرياتي أمره بمواصلة السير، في الوقت الذي كانت الاستعدادات جارية للإقلاع من القاعدة الجوية.
ما بين 17:37 و17:47: انتهى تزويد الطائرات بالوقود على الساعة الخامسة والنصف، أقلعت الطائرة على الساعة 17:47 حيث رافقتها سيارات رجال الحراسة إلى غاية إقلاعها من المدرّج. وقد سجلت بيانات الإقلاع أن الطائرة كانت متوجهة إلى مدينة جدة، وكانت تحمل كلا من الرئيس التونسي بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي وابنه محمد وابنته حليمة وخطيبها مهدي بن قايد، وحوالي 18:16 قامت الطائرة بالعديد من الدورات فوق مطار “جربة” للحصول على إذن بدخول الأراضي الليبية من معمر القذافي وبعدها دخول الأجواء المصرية ثم التوجه إلى العربية السعودية.
وبينما يحلق بن علي وعائلته في الجو، دخل السرياتي إلى قاعة الضيوف في القاعدة الجوية يحتسي كأسا من القهوة وهو يتساءل: “هل سيعود بن علي، لا أظن ذلك”، وبعد ربع ساعة من الإقلاع يتلقى السرياتي مكالمة من بن علي يسأله من خلالها عن التنسيق مع السلطات السعودية للهبوط بها، وهو ما أكده له هذا الأخير. بعد ذلك طلب السرياتي من لعجيمي قائد القاعدة الجوية طائرة، بناء على طلب زين العابدين بن علي ستقل ابنته وبعض أفراد عائلة الطرابلسي إلى ليبيا، وافق لعجيمي على الطلب قبل أن يتردد في ذلك حيث شك خصوصا أن السرياتي قال له أنه يريدها للانتقال بها إلى “جربة”، هنا أصدر لعجيمي أمره باعتقال السرياتي ونزع سلاحه، وهو الأمر الذي نفذه السرياتي على الفور دون مقاومة.
الساعة السابعة مساء: تم تسليم السرياتي من القوات الجوية إلى الأمن العسكري. يوم الأحد 16 يناير سيمثل أمام القاضي الذي اتهمه بـ”التآمر على أمن الدولة”، وأصدر مذكرة اعتقال في حقه، حيث سيظل قابعا في السجن رفقة بعض المسؤولين الآخرين متابعين في قضية “شهداء الثورة”.
بعد السادسة مساء: محمد الغنوشي بقصر الحكومة يتلقى مكالمة هاتفية من شخص يدعى “سيك سالم” يقول له “تحمل مسؤوليتك أيها الوزير الأول، يجب أن نتفادى حمام الدم، تمسّك بالرئاسة، تمسك بالرئاسة”.
“أجل” نهاية المكالمة، يحاول الغنوشي الاتصال بالرئيس التونسي مجددا بعد أن وجد مكالمة الرئيس له غريبة نوعا ما، تجيبه السكريتيرة بأن الرئيس غير موجود، يحاول الغنوشي الاتصال بالسرياتي فيجيبه سيك سالم بأن الكل هرب من تونس (إذ أنه كان يعتقد أن السرياتي هرب بدوره) طالبا من الغنوشي تحمل مسؤوليته.
19:30: يتم تسليم مجموعة من عائلة بن علي والطرابلسي إلى الجيش حيث سيتم نقلهم إلى قاعدة “لعوينة” ويلتحقوا بمجموعة أخرى تنتمي لنفس العائلتين، كما يذكر أن التلفزة الرسمية نقلت هذا “التسليم” على شاشتها، فيما سمي “الرهائن الأحرار”.
19:37: قبل دخوله إلى القصر الرئاسي، سأل الغنوشي وزير الدفاع لكريرة هل يثق بالجيش فقال له هذا الأخير “أنا الجيش” وهو نفس السؤال الذي سأله عبد الله كاليل بعد أن سلمه الغنوشي الهاتف.
20:20 الجنرال عمّار يتلقى مكالمة من بن علي حول وضع البلد و”هل تراقبونه؟ وهل يمكنني العودة أم لا؟ فيجيبه الجنرال عمّار “لا يمكنني أن أخبرك بأي شيء سيدي الرئيس، فالوضعية لا زالت لم تتضح بعد” فيرد عليه بن علي قائلا: “جيد أيها الجنرال، سأكلمك غدا”. إلا أن هذه كانت آخر مكالمة بين الرئيس والجنرال.