سامي نسيم يتوس فرقته الموسيقية
يعتبر الفنان العراقي “سامي نسيم” أهم مدرسة مميزة وعريقة لآلة العود، فهو عازف عود محترف، بدأ بفضول هاوي وعاشق لهذه الآلة السحرية آلة الحكماء كما يسمونها، عزف العود وهو مازال طفلا صغيرا ليقرر إكمال هذا الطريق بدراسته في معهد الفنون الجميلة ببغداد.
جال بموسيقاه العالم في مهرجانات عالمية وعربية حيث استطاع أن يحكي بعوده جملا موسيقية نابعة من إرث المقام العراقي لأنه أراد بذلك أن يوصل فنه الأصيل الذي درسه وأعاد تقديمه بأجمل صورة سواء كان من خلال عزفه المنفرد أو من خلال عزفه رفقة فرقته “منير بشير للعود” التي أسسها سنة 2001.
حصل الفنان سامي نسيم على العديد من الجوائز القيمة كجائزة الإبداع لوزارة الثقافة العراقية وهي أعلى جائزة للدولة منحت له مرتين/ عام 1997 و 2009 وكذلك الجائزة الأولى لعزف العود في بيروت عام 2000. بالإضافة إلى جوائز أخرى كانت آخرها حصوله هذه السنة على درع مهرجان تطوان خلال مشاركته في المهرجان الدولي للعود بالمغرب.
مع عازف العود المحترف “سامي نسيم” كان لأكورا بريس هذا الحوار المتميز:
بداية ماهي الجذور التي جعلت من سامي نسيم عازف عود محترف؟
في الحقيقة أن من يبدأ مع الموسيقى و عالمها سوف يستمر و لا يكف عن البحث والغوص ببحارها ..أما الجذور فمدينتي الناصرية العراقية هي تمتلك هذا الإرث الكبير من الحضارة السومرية جغرافيا و تاريخيا فأن أقدم آلة موسيقية و هي القيثارة السومرية للملكة شبعاد وجدت هنا في أرض سومر.
بدأت رحلتي مع العود بفضول هاوي وعاشق له منذ الطفولة بعمر مبكر عزفت العود. وتطور الموضوع بدراستي في معهد الفنون الجميلة و تميزت عن زملائي بالتمرين الطويل لساعات يوم كامل، أتمرن بعودي على طريقة الغربيين بتقنية عالية ووقت أكثر، بعد ذلك دخلت مرحلة الاحتراف من بابين الأول: كوني مستمر بالتأليف الموسيقي والعزف خارج العراق و داخله، والثاني: كوني معلم للعود منذ عشرين عام في معهد الدراسات الموسيقية و تكلل بمشروعي فرقة منير بشير للعود والتي هي عبارة عن مدرسة لمحترفي موسيقى العود تستكمل الخبرة العملية لطلبتي لوضعهم على طريق الاحتراف كعازفين سوليست للعود وتحقق ذلك، و من أبرز طلبتي الفنان سعد محمود جواد معلم للعود في البحرين والفنان أحمد سليم عازف عود في الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية ومدير مدرسة الموسيقى والباليه والفنان احمد شمه مدير بيت العود العربي في دبي والفنان المميز مصطفى محمد زاير و أحسان الأمير و جمال ناصر وعلي رزاق و محمد الأمام و علاء صبري وكثيرين ..غيرهم.
بدأت العزف على العود في سن مبكرة، كيف تفسر هذه البداية أو بالمعنى الأصح كيف تقرأها اليوم؟
التعلم في الصغر مثل النحت في الحجر يكون أثره جيدا على تحفيز ذات الطفل و شغله بالفنون والعلوم هو مبدأ تربوي ثابت لذا أنا مدين بالفضل للعود ومن علمني في بداياتي بالتعلم ومنهم الشهيد جاسم محمد عليوي ويعقوب يوسف وفاضل عباس ومن بعد ذلك الموسيقارغانم حداد والفنان عدنان محمد صالح والحاج معتز محمد صالح، هؤلاء جميعا لهم دور في تنمية ذاتي الموسيقية.. فلولا هؤلاء الكبار و تحفيزهم لي و تشجيعي ما كنت أكتب جملة موسيقية واحدة أو أفوز بجوائز مهمة للعزف والتأليف الموسيقي ومنها جائزة الإبداع لوزارة الثقافة العراقية وهي أعلى جائزة للدولة منحت بها مرتين عام 1997 و 2009 وكذلك الجائزة الأولى لعزف العود في بيروت عام 2000 التي أقامها المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية في جامعة الروح القدس بالكسليك بيروت. لولا تلك البدايات المبكرة ما كان لي هذا المنجز الفني والذي أعتز به.
أنت من العازفين الماهرين الذين يحاولون دائما أن يضيفوا شيئا جديدا إلى الموسيقى العراقية فهل ثمة مكونات ثقافية أو معرفية جعلتك حريصا على التنقيب في ذاكرة العراق الموسيقية؟
في الحقيقة المران الطويل يصنع عازفا ماهرا ..أما إضافة شيء للموسيقى العراقية والعربية فهو ذو شقين منه تأسيس فرقة لموسيقى العود متخصصة بالآلة (فرقتي منير بشير للعود ) وهذا منجز كون جميع الفرق العربية تتصف بفرق للغناء وليس الموسيقى حصرا، كذلك مؤلفات موسيقية لهذا التأسيس و الحفاظ عليه و ديمومته برغم المعوقات الكثيرة و منها قلة جمهور الموسيقى وأغلب الجمهور يلهث وراء المطرب و هذا واقع عربي معروف، هناك ثروات موسيقية في ذاكرة العراق والمنطقة العربية مهملة ولا تحظى بالعناية والدراسة وإظهارها للعالم. فالموسيقي الفرنسي موريس جار استلهم من تكبير الأذان موسيقاه لفلم الرسالة و رمسكي كورساكوف من شهرزاد (ألف ليلة و ليلة ) و (عنتر بن شداد ) وغيرها ..بينما الموسيقى العربية ما زالت أسيرة التطريب الغريزي و الترجيع و لم تبرحه الى فضاء التعبير الوجداني العقلي ببناء موسيقى عربية عالمية جادة ، وهذا عيب واضح لدى الموسيقي العربي و المؤسسات الموسيقية. وقد قال منير بشير سابقا (العيب ليس في الموسيقى العربية .بل من يعمل بها ).
لما اخترت العود عن سواه من الالات الموسيقية كي يكون ناطقك الرسمي؟
العود آلة عربية عريقة ..وهو صوت روح الشرق ..و ما ينطق ألا بلغة شعور عربية سليمة ..رغم أن اللقاء كان صدفة و لكن ما زلت أتذكر كيف وضعوا الآلات الموسيقية أمامي فأدهشني العود شكلا و مضمونا و كأني مسني بسحره إلى الأبد، فكان عشقي له فاق حتى تصوري أنه مصنوع من الخشب بل تخيلت ملاك من عالم غير مرئي صنعه و بعثه لي.
أسست فرقة منير بشير للعود سنة 2001 والتي تتخصص بتقديم العود العراقي وتضم سبعة عازفين أكادميين مولعين بتطوير هذه الآلة، إذن ماهي البصمة التي تركها الراحل عازف العود العملاق منير بشير في حياتك كي تأسس فرقة نسبة إلى إسمه؟
في بداية تأسيس الفرقة بلغ عددها خمسة و عشرين عازفا جلهم من طلبتي في المعاهد و المدرسة (الدراسات الموسيقية و الفنون الجميلة و مدرسة الموسيقى والباليه ) ولم تكن الفرقة باسم منير بشير كعنوان، كان اسمها فرقة العود البغدادية ولكن الفنان منير بشير الذي قد عينني كمدرس للعود في معهد الدراسات الموسيقية بطلب من الفنان الموسيقار سالم عبد الكريم مدير المعهد آنذاك و بظروف العراق الصعبة من حروب و حصار طالبت أن يكون تمثال أومتحف للموسيقي العراقي “منير بشير” و لكن دون جدوى ..مما جعلني أغير اسم الفرقة و أكرم أستاذي منير بشير بإطلاق اسمه عليها و لكوننا عشقنا موسيقى الأخوين “جميل بشير” و “منير بشير” منذ الطفولة وكذلك دورهم الريادي في موسيقى العود العربي.
شاركت مؤخرا رفقة فرقتك منير بشير في مهرجان تطوان الدولي للعود بمدينة تطوان _المغرب_ إلى جانب فرق موسيقية أخرى، منها فرقة إسطنبول بقيادة الموسيقار التركي ميهمت بيتماز، والفنان اللبناني مارسيل خليفة وفرقته، والموسيقار المغربي سعيد شرايبي، حدثنا عن هذه المشاركة خاصة وأنها المرة الأولى التي تأتي فيها إلى المغرب ؟
زرت كثير من مدن العالم العربي والعالم الغربي ولكن وجدت بالمغرب و تطوان شيئاً مختلفا دون مجاملة. هناك ذائقة ما زالت محافظة على روحها ودليل واضح هو أن تطوان أقامت أربعة عشر مهرجان للعود معاصرة بينما الدول العربية جلها لم يقم بمثل هذا التقليد الحضاري بل مصر مهرجان واحد و العراق مهرجانين و سورية واحد فقط ..كذلك الجمهور المتحفز و الحي الذي يتفاعل مع العروض وهذا يحسب لمغرب الثقافة والفن والحضارة ..و هذا ما لمسته و شاهدته بأم عيني، كذلك دعوة تركيا ممثلة بالموسيقي ميهمت بيتماز و لبنان بالموسيقي مارسيل خليفة والموسيقي سعيد شرايبي ممثلا للمغرب و نحن من العراق، اختيار ينم خبرة وتمحيص ودقة نوعية تحسب للمهرجان من تنظيم وإدارة ممثلة بالفنانة الرائعة سميرة القادري و محمد الثقال ولي الرغبة بالمشاركة بعزف منفرد بدورته القادمة إن شاء الله.
ما الذي تحب أن تقوله لجمهورك من خلال هذا الحوار؟
الجمهور رأس مال كل فنان ..منه يستمد الفنان استمراره و عطائه ..و حرص هذا الجمهور معي على تشجيعي و دفعي للأمام من خلال المتابعة المستمرة له ووقف هذا الجمهور الكريم في كل الظروف محفزا ..و نتقدم بوافر الامتنان والحب له كونه كان مساندا ..و بفضله تجاوزنا العوائق ..التي وضعها بطريقنا أصحاب الأفق الضيق و أصحاب النفوس المعقدة والمريضة ..و نقول نحن أقوياء و مبدعين منكم وإليكم
أكورا بريس: حاورته/ سمية العسيلي