كاريكاتير معبر عن حقيقة السلطة السياسية بالجزائر بريشة “الدرقاوي)
يؤكد واقع الأشياء وجود، ما يقرب أو يزيد على مليونين مغربي وجزائرية، أو مغربية وجزائري متزوجين، ولهم من صلب بعضهم البعض أبناء وبنات. ولا غرابة في هكذا وضع، بما أن الأمر يتعلق بأبناء بلدين شقيقين وجارين، يشتركان نفس التراب، ونفس البيئة الجغرافية والثقافية، ونفس التاريخ، ونفس الديانة.
لم تتردد سلطة القرار بالمغرب، يوما، في إعطاء أولوية لهذه الروابط العائلية والإنسانية التي تجمع المغاربة والجزائريين، فجلالة الملك محمد السادس حرص دائما على إظهار هذه القيم في خطبه، ومن ذلك تأكيده في خطاب العرش لسنة 2011: “وإننا لملتزمون، وفاء لأواصر الأخوة العريقة بين شعبينا الشقيقين ولتطلعات الأجيال الصاعدة، بإعطاء دينامية جديدة، منفتحة على تسوية المشاكل العالقة من أجل تطبيع كامل للعلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين، بما فيها فتح الحدود البرية بعيدا عن كل جمود أو انغلاق مناف لأواصر حسن الجوار، وللاندماج المغاربي، وانتظارات المجتمع الدولي، والفضاء الجهوي..”.
“الجمود والانغلاق”، هما عنوان ممارسة هدفها قتل أواصر حسن الجوار، وعرقلة كل محاولة جدية لعملية الاندماج المغاربي، و”الجمود والانغلاق” سلوك سياسي موروث عن الحرب الباردة البائدة، وللأسف يبدو أن الجارة الجزائر متمسكة به، ما يطرح التساؤل حول طبيعة النخبة التي تتحكم في مقود القرار بالجارة الشقيقة؟
والواضح أيضا أن سلطة القرار في الجزائر بقيت جامدة (ممنوعة من الصرف)، فهي لا تتفاعل وفق المتغيرات، ولا تريد أن تنتبه إلى أن الوقت الحاضر أصبح يستعجل خيارات استراتيجية وشراكات جهوية لتحقيق تطلعات شعوب المنطقة المغاربية، وهذا ما سعا المغرب إلى التأكيد عليه، من خلال ما ورد في خطاب العرش لسنة 2009، حين قال الملك محمد السادس :”ومساهمة من بلادنا في توفير ظروف تفعيل العمل المغاربي المشترك، كخيار استراتيجي لتحقيق تطلعات شعوبه الخمسة للتنمية المتكاملة والاستجابة لمتطلبات الشراكة الجهوية، وعصر التكتلات الدولية، نؤكد إرادتنا الصادقة لتطبيع العلاقات المغربية-الجزائرية، وذلك وفق منظور مستقبلي بناء، يتجاوز المواقف المتقادمة، والمتناقضة مع الروح الانفتاحية للقرن الحادي والعشرين، ولاسيما تمادي السلطات الجزائرية في الإغلاق الأحادي الجانب للحدود البرية..”
كلام الملك محمد السادس رسخ دائما وضوح المغرب في قراراته السياسية الداخلية والجهوية، فتحقيق الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون خيار داخلي لا محيد عنه، وجهويا (مغاربيا)، لم يعد هناك مجال للتمسك بالمواقف السياسية المتقادمة والمنغلقة. كما أن التنمية الاقتصادية يبقى خيارا داخليا استراتيجيا للمغرب، وهو خيار تسعى المملكة المغربية إلى جعله خيارا استراتيجيا لتحقيق تطلعات شعوب المغرب العربي الخمسة إلى التنمية المتكاملة والاستجابة لمتطلبات الشراكة الجهوية.
سقط نظام العقيد معمر القدافي في ليبيا، وسقط نظام زين العابدين بن علي في تونس، وأعرب الشعبان الليبي والتونسي، من خلال السلطتين السياسيتين التي أفرزتهما الثورتين في البلدين الشقيقين، عن رغبتهما في تحقيق اندماج مغاربي حقيقي، وهو اندماج لا يمكنه أن يتحقق في ظل تعنت الجارة الجزائر التي لا تزال، رغم كل ما حدث، متمسكة بأساليب الحرب الباردة البائدة، من قبيل الانغلاق، والتجسس، وتمويل حركات الانفصال، وتمويل حتى جمعيات تدعي العمل في حقوق الإنسان بهدف الإساءة إلى المغرب، وبهدف عرقلة الوحدة المغاربية.
الجزائر مصرة على معاكسة منطق كل شيء، منطق الثورات والأحداث التي شهدها العالم العربي العام الماضي، ولا يزال يشهدها، بل ومعاكسة منطق التاريخ والجغرافية برفضها كل مساعي التطبيع المغربية، أو “تلك المبذولة من بلدان شقيقة وصديقة، وقوى فاعلة في المجتمع الدولي (وهذا التمادي في الرفض) يعد توجها معاكسا لمنطق التاريخ والجغرافية، الدي يتنافى مع إغلاق الحدود بين جارين شقيقين..فتشبث بلادنا بفتح هذه الحدود، وتطبيع العلاقات ليس إلا وفاء لأواصر الأخوة وحسن الجوار، وتمسكا بحقوق الإنسان، في حرية التنقل والتبادل، وكذا استجابة لحتمية الاندماج المغاربي. وفي جميع الأحوال، فإن المملكة ستظل وفية لهويتها الحضارية في الانفتاح. رصيدها في ذلك المصداقية التي يحظى بها النموذج المغربي في محيطه الإقليمي والدولي”.( من خطاب المسيرة لسنة 2008).
أكورا بريس: ح. يزي