يومية بريطانية تسلط الضوء على المؤهلات التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا
بقلم: هشام بوعلي/2m.ma
“ولما كانت صحراؤنا لا تستطيع أن تأتي إلينا، كان علينا أن نذهب إليها، إذ كانت تنتظرنا..”، بكل هذا الوضوح والكلمات البسيطة، شرح الملك الراحل الحسن الثاني، الهدف من المسيرة الخضراء التي كان مخططها وعقلها المدبر، والتي تعد واحدة من أبرز الأحداث التي عرفها مغرب الاستقلال.
في ثلاثة أجزاء من هذا المقال سنعود، بمناسبة حلول الذكرى 43 للمسيرة الخضراء، إلى استكشاف لحظات فاصلة من هذه المحطة المهمة في تاريخ المملكة، من خلال كتابات المغفور له الحسن الثاني، في كتابيه “التحدي” و “ذاكرة ملك”، بالإضافة إلى الخطب التي ألقاها في هذا الموضوع، حيث سنقف عند ثلاث مراحل أساسية، بدءا من المرحلة التي كانت فيها المسيرة مجرد فكرة وسر “خطير”، ثم مرحلة الإعلان والردود التي خلفها، وصولا إلى تنظيم المسيرة، كل هذا من خلال “عيون” الملك الراحل.
- الفكرةُ والسرُّ “الخطير”
في 16 أكتوبر من سنة 1975، أعلن الملك الراحل الحسن الثاني عن تنظيم هذه المسيرة الضخمة، بعد إقرار المحكمة الدولية بلاهاي بوجود علاقات وثيقة بين المغرب وصحرائه، وأمام تعنت اسبانيا في التوصل إلى حل للخروج من الصحراء، وقرارها نقل السيادة للصحراء، شهر يوليوز، جاء قرار تنظيم المسيرة، الذي لم يكن وليد اللحظة، بل بدأ التخطيط له في سرية تامة، قبل شهرين من ذلك التاريخ، وبالضبط منذ 20 غشت، الذي زامن ذكرى ثورة الملك والشعب.
يكشف الملك الراحل في كتاب “ذاكرة ملك”، أن الفكرة راودته عشية 20 غشت، بعد أن أدى صلاة العشاء، وخلد إلى النوم، استيقظ في منتصف الليل، “تراودني فكرة نفذت نفوذ السهم إلى ذهني وهي: رأيت آلاف الأشخاص يتظاهرون في جميع المدن الكبرى مطالبين باستعادة الصحراء، فلماذا إذن لا ننظم تجمهرا سلميا ضخما يأخذ شكل مسيرة؟ وهنا أحسست أني قد تحررت من عبء ثقيل للغاية.”
من هنا جاءت الفكرة، ومن هذه اللحظة، بدأت الاستعدادات الأولى، بالتنسيق مع ثلاثة أشخاص هم الجنرال أشهبار الكاتب العام لإدارة الدفاع، والجنرال بناني والكولونيل ماجور الزياتي، بعد أن أدوا القسم بعدم إفشاء سر المسيرة حتى لو لم يكونوا متفقين بشأنها.
ويشير الحسن الثاني، في الكتاب ذاته، أنه لم يخبر الحكومة أو أي من أعضائها بالقرار، مشيرا أنه استدعى وزيري التجارة والمالية، للحديث معهما من أجل تخزين كمية من المواد الغذائية، لصالح المسيرة، فقال لهما في كذبة “بيضاء”، “إنها لمواجهة شهر رمضان … فوافقا على الأمر، ولم يفطنا لشيء، وهذا ما كنت أرغب فيه”.
ويضيف الحسن الثاني، أنه شرح للثلاثي الذي ينسق معه للمسيرة أن عدد المشاركين سيصل إلى ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة، فقالوا مستفسرين “لماذا كل هذا العدد؟” فأجبتهم، “إن المسألة في غاية البساطة، فهناك ثلاثمائة وخمسون ألف مغربي ومغربية يولدون كل سنة، وبالتالي فإن هذا العدد ليس بالأهمية التي تؤثر على عدد السكان”. وقد ألهبت الفكرة حماسهم وشرعوا في العمل بدون كاتبات او اجهزة، وكانوا يحررون كل شيء بأيديهم، .. في سرية تامة حتى مطلع شهر أكتوبر، وهنا، اعتبر الملك أنه لابد من الإسرار للحكومة بذلك، وكذا لعمال الأقاليم حتى يفتحوا في الوقت المناسب المكاتب لتسجيل المتطوعين.
وعن تسمية المسيرة بالخضراء، يجيب الحسن الثاني، في كتابه “التحدي” بأن الاختيار جاء لأن “العالم كله سمع عن راية نبينا الخضراء، كما كنت أريد قبل كل شيء أن يكون لمظاهرتنا هذه مظهر موكب حماسي ومؤثر معا، وأن تكون في وقت واحد احتفالا رياضيا ووطنيا وروحيا، وبمثابة حج مؤكد للحق إلى هذه الأرض المغربية العريقة، لقد كان هذا ما أردت وأراده معي الشعب المغربي، ولو أردنا لما اشترك في المسيرة 350 ألف مغربي فقط، وإنما مليونان، بل ثلاثة ملايين مغربي” مشيرا أنه رفض مشاركة الطلاب بصورة كثيفة في المسيرة، لتجنب جعل بداية العام الدراسي الجامعي مضطربة.
وفي الأسابيع الموالية، بعد أن تبلورت الفكرة، تمت تعبئة مختلف الجهات العسكرية والمدنية، وعُقدت اجتماعات مغلقة بين كبار المسؤولين المغاربة، للاستعداد للمسيرة، في سرية تامة وهذا ما اعتبره الملك الراحل “انتصارا”، قائلا إن: “من بين الانتصارات التي حققها المغرب أنه استطاع كتمان السر، لأن السر كان ذَا أهمية بالغة من الناحية الإستراتيجية، ولو قُدر لهذا السر أن يُفشى لفشلت المسيرة”.