باعتمادها “مشروع فرس البحر” وهي شبكة مراقبة وتكوين للبحرية، تعتزم دول الاتحاد الأوروبي سد طريق البحر المتوسط في وجه اللاجئين. ومنذ إبرام اتفاق اللجوء مع تركيا تحول الطريق من شمال إفريقيا إلى مسلك رئيسي للمهاجرين، إذ مر فقط في عام 2016 أكثر من 181.000 شخص عبر هذه الطريق نحو أوروبا. ويريد وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير إيواء اللاجئين الذين يتم العثور عليهم وسط البحر في معسكرات في بلدان شمال إفريقيا.
وحتى رئيس الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي توماس أوبرمان طالب مؤخرا بإعادة اللاجئين للقضاء على أنشطة عصابات التهريب. وهذه المخططات سبق وأن تحدث عنها وزير الداخلية الألماني الأسبق أوتو شيلي في عام 2004، وهذه الموضوعات غير مطروحة رسميا في بروكسيل حيث قال موظف رفيع المستوى للاتحاد الأوروبي لوكالة الأنباء الألمانية:”ليس لدينا مخططات حاليا لإقامة معسكرات إيواء في شمال إفريقيا، رغم أن وسائل الإعلام تثير هذا الموضوع”. وأوضح أن بلدان شمال إفريقيا غير مستعدة في الوقت الراهن، وهي ستعارض رسميا جميع المفاوضات حول اتفاقية استقبال اللاجئين.
ليبيا هذا البلد الذي يعاني من حرب أهلية يحتل مكانة محورية في جهود الاتحاد الأوروبي، لأن نحو 90 في المائة من اللاجئين ينطلقون من ليبيا في اتجاه أوروبا. لكن ليبيا التي تخلصت من حكم العقيد معمر القذافي في 2011 انزلقت إلى حالة الفوضى بحيث أن الحكومة المعترف بها دوليا لا تبسط نفوذها سوى على جزء صغير من البلاد. وخلال قمة خاصة أقر زعماء حكومات الاتحاد الأوروبي مخططا مكونا من عشر نقاط للحد من الهجرة، بينها “بناء معسكرات إيواء آمنة ولائقة”. والوضع داخل معسكرات اللاجئين في ليبيا كارثي، إذ أن الأمم المتحدة انتقدت مؤخرا خروقات حقوق الإنسان في تلك المعسكرات حيث يتم في الغالب حبس لاجئين في مراكز اعتقال مكتظة دون أكل ولا شراب أو منفذ للمراحيض. مصر تريد ألمانيا على وجه الخصوص تكثيف التعاون الأمني مع مصر وتحسين التعاون في مجال الهجرة. وحتى الاتحاد الأوروبي يبذل الجهد منذ الخريف لإقامة علاقات أفضل. وكتبت المفوضية الأوروبية في بيان نهاية يناير:”وكنتيجة يأمل الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى تعاون شامل بشأن اللاجئين”.
فيما تتحدث دوائر دبلوماسية عن مفاوضات صعبة، لأن مصر تطالب بخدمات في المقابل. لكن مدير مؤسسة هاينريش بول في شمال إفريقيا المقربة من حزب الخضر، يواخيم باول ينتقد تلك المخططات مع مصر. ويقول بأن الاعتقاد أن مصر تضمن الاستقرار خاطئ، لأن “البلد الذي تكون فيه البنية الأمنية خاضعة لسلطة غير مراقبة والتعذيب والاعتقالات ومحاكمات غير قانونية لا يمكن أن يضمن أدنى مستويات حقوق الإنسان في معسكرات اللاجئين”. تونس تعتزم الحكومة الألمانية إعادة طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم إلى تونس طواعية بتقديم تحفيزات مالية لهم. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عقب محادثات مع رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد في برلين الثلاثاء (14 فبراير 2017) بأن العودة “تتم بشكل أفضل عندما تكون طواعية”.
ومن بين تلك التحفيزات تقديم عروض التكوين والمساعدة في إقامة مشاريع، وانتقدت ميركل حقيقة أن إعادة التونسيين إلى وطنهم لا تتم بالسرعة المطلوبة. وأفادت المستشارة أن حوالي 1.500 تونسي مطالبين بالرحيل يعيشون حاليا في ألمانيا، وتم في العام الماضي ترحيل فقط 116 تونسيا، وقالت بأن الحكومة الألمانية تبقى على تواصل مع تونس “لتحسين سير هذه العملية”. أما رئيس الوزراء التونسي فقد أشار إلى وجود اتفاق منذ سنة مع ألمانيا حول إعادة التونسيين، وقال الشاهد إن هذه العملية “يجب تنفيذها في إطار يضمن كرامة المعنيين”. وقالت ميركل وشهيد بأن موضوع إقامة معسكرات استقبال في تونس لم يكن مطروحا على طاولة النقاش.
وأشارت ميركل إلى أن كلمة “معسكرات الإيواء” المستخدمة في وسائل الإعلام “ليست جزءا من مفرداتها اللغوية”، مشيرة إلى أن تخميناتها ترمي إلى إقامة “مؤسسات معينة” في شمال إفريقيا تمنع الناس من خوض غمار رحلة العبور الخطيرة عبر البحر المتوسط، وتلك هي الفكرة الأساسية التي غلبت على تعاملها في إبرام اتفاقية اللجوء مع تركيا. الجزائر يُراد للجزائر من منظور أوروبي أن تكون أيضا طرفا في إستراتيجية شاملة لتنظيم اللجوء. وورد في وثيقة في نهاية يناير أنه انعقدت محادثات أولى حول تعاون حول الهجرة. المغرب وزارة الخارجية في الرباط أكدت إجراء محادثات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لمكافحة الهجرة غير الشرعية. وأعلنت الوزارة أن الطرفين يريدان التعاون بصفة وثيقة لإقامة نظام لجوء وطني في المغرب.
غير أن منظمات غير حكومية انتقدت المخططات، لأنها لا تريد أن يتحول المغرب إلى “حارس بوابة أوروبا”. وأفادت دوائر دبلوماسية ألمانية أن إقامة معسكرات استقبال في المغرب ليس مطروحا كموضوع في الوقت الراهن. وينتقد حقوقيون مخططات إعادة اللاجئين إلى أوطانهم وإقامة معسكرات إيواء، لأنها تحول فقط وجهة المشاكل، وتهدد الاستقرار الهش في المنطقة. وتفيد بعض المنظمات بأن أوروبا تريد فقط إبعاد المشاكل إلى شمال إفريقيا، وهي تشارك بالتالي في خرقات حقوق الإنسان.