العام الثقافي قطر-المغرب 2024: عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية
أكبر جماعة إسلامية في المغرب، إنها كلمة السر، إنها الكلمة التي بسماعها تتحقق النشوة، تتحقق العزة، يتحقق كل شيء، وما على جماعة "أكبر جماعة إسلامية" إلا أن تحتفل بالكلمة الساحرة وهي رابضة في كهوفها، فأكبر جماعة إسلامية في المغرب خرجت في "الحراك" و"التدافع" والسير المصحوب بالصياح أيام 20 فبراير طوال سنة 2011، ولأنها أكبر جماعة إسلامية في المغرب فقد رجعت من حيث أتت ولأن الفشل "ماعَنْدُو بُو" فقد تبادل المشاة المسؤولية، مسؤولية فشل الحَرْكَة، وقبل إعلان الموت السريري لحركة 20 فبراير، جربت أكبر جماعة إسلامية و جحافل التابعين و أقرانهم من صعاليك الأحياء عدم التركيز على مراكز المدن و الخروج بعدتهم و عديدهم إلى ضواحي المدن و الذهاب إلى حيث يوجد الشعب الذي يعيش على الكفاف حتى يلتحموا معه، و لكن الشعب لم يلتحم معهم، و منهم من خرج رافضا لهم و لخروجهم و منهم من فضل أن يبتاع ما يريد من "كراريس" الحقيقة و عاد إلى بيته تاركا صعاليك الأحياء وأكبر جماعة إسلامية يعيشون مرارة رفض الشعب لهم.
ومع ذلك فإن أكبر جماعة إسلامية في المغرب كما يحلو لها أن تسمع في الإعلام، قررت أن تعود إلى معابدها لتجيب على السؤال، لماذا لم يتحقق ما أرادت؟ و لماذا رفض الشعب أن يلتحم مع الجماعة ؟
هناك من قال أن الجماعة لم تلتزم بالمنهاج وبشعار تربية وتنظيم وزحف، وأن المرحلة الأولى من الشعار لم تستكملها الجماعة بعد، وأن الشعب لم تتم تربيته بالشكل الكافي وأن الجماعة مطالبة اليوم بإعادة تربية الشعب و إعادة تفسير أحلامه، وأن يراجع التنظيم، و هكذا أخرجت الجماعة البناء الجديد الذي قيل أنه سيحقق المعجزات، و بعد سنتين خرجت أكبر جماعة إسلامية إلى الشارع بمناسبة إضراب 29 سبتمبر 2014 و أصدرت بيانا تعلن فيه مشاركتها في الإضراب العام وهو إضراب دعت له كل المركزيات النقابية ودعمه النهج و رفاقه في كل الإطارات الجماهيرية وشارك فيه الإتحاد المغربي للشغل لأول مرة في تاريخه، و كان من المفروض أن الجماعة الأكبر و بحكم بنائها الجديد أن تخلق الحدث. لقد مر الإضراب كيوم عطلة غير مؤدى عنها باعتبار أن بنكيران و حكومته أحصوا عدد المضربين لكي يقتطعوا من أجورهم و ظهر أن أكبر جماعة "والكبير هو الله" لم تمنع بنكيران من إجراء قيلولته و أن الناس يومها تبضعت كباقي الأيام كل حسب إمكانياته و ركبت وسائل النقل المتاحة ووحدهم الطلبة و التلاميذ عاشوا يوما من أيام "التحريرة" التي تعني في الذاكرة الجماعية " ماكاين قراية اليوم الأستاذ ما جاش" وكانوا سعداء بذلك…. إنها عواشر أخرى أهداها لهم أصحاب أكبر جماعة.
فماذا تعني كلمة أكبر جماعة؟ هل نفترض معها أن أكبر جماعة إذا ترشحت فستحصل على ضعف ما حصل عليه إخوان بنكيران، إذا كان الأمر كذلك فما على أكبر جماعة إلا أن تترشح للانتخابات لتعرف وزنها، و هل تعني كلمة أكبر جماعة أنها متغلغلة في المجتمع إلى الحد الذي توقف فيه الحركة و تقول الآن لا حركة و لا سكون إلا بإذن ولاة الجماعة، فأظن أن استحقاق الربيع في 2011 و استحقاق الخريف في شتنبر 2014 كافيان لكي ترى أكبر جماعة وجهها بدون مساحيق إعلامية و بين الاستحقاقين تبقى الجماعة تمني النفس بالذي لن يأتي، كما حدث مع استحقاق الماء و الضوء.
فبمجرد ما تناهى إلى سمع أكبر جماعة أن فواتير الماء كانت دسمة هذا العام، أعطت الجماعة الأمر إلى الباحثين عن السراب لكي يتسربوا إلى صفوف أصحاب الفواتير و يخلقوا الحدث و كان ما كان، خرجت الناس و كانوا وحدهم و أهلهم من النهج يكيلون الشتائم لابنكيران كما حدث في البرنوصي، في اليوم الأول جاؤوا من كل حدب و صوب و لا واحدا منهم كانت فاتورته دسمة و في الأسبوع الموالي جاؤوا مطأطئي الرؤوس، لقد حضر كل من صعاليك الأحياء و ظلوا لأزيد من ساعة ينتظرون أن يلتحق بهم حملة الفواتير من الشعب و بعد أن أعياهم الانتظار و انسحبوا يشتمون الشعب الذي لا يريد أن ينتفض، لا يريد أن يخرج هادرا لكي يطلب باسم "المواطنة" مجانية الماء و الكهرباء.
في ظل الإنتكاسات، ٱنعقد اجتماع المجلس القطري (أي الوطني) لجماعة العدل و الإحسان و كلمة قطري لها دلالة خاصة لأن الجماعة تحمل رسالة عبد السلام ياسين للعالمين و المغرب ما هو إلا قطر من الأقطار حتى و لو كان مهد الرسالة كما كان الأمر أيام حزب البعث ففي كل بلد كانت هناك قيادة قطرية و الجميع كان تحت إشراف القيادة القومية التي كانت منقسمة إلى قسمين، قسم تابع لبغداد و قسم تابع لدمشق.
نعم انعقد المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل و الإحسان، و تدارس المجلس في دورته الثامنة عشرة يومي 15 و 16 نونبر 2014، التقرير السياسي الذي يغطي المرحلة ما بين دورتي يناير 2014 و نونبر2014 . فلنتأمل جميعا هذا التقرير السياسي المليء بالكلمات الخالدة و خصوصا جزئه المتعلق بالسياق الدولي و الإقليمي للإجتماع.
يقول التقرير أن دول الإستكبار ( وهي بالمناسبة كلمة استعملها الخميني بعد "ثورته" لكي يسمي قوى الغرب حتى يميز ثورته الإسلامية عن التيارات الماركسية التي تستعمل كلمة الإمبريالية و لهذا فعندما يسمع المرء كلمة استكبار في المنتديات الإسلامية فصاحبه إما أن يكون شيعيا أو موالي لإيران…) تسعى سعيا حثيثا لإعادة رسم معالم عالم عربي اسلامي جديد بمواصفات على المقاس بعد أن استنفدت المخططات السابقة أهدافها.
إنها مرام جديدة، يقول التقرير، تدفع دول المركز للتدخل في شؤون البلدان الخاضعة لنفوذها أو التي يراد لها أن تخضع، تارة تحت يافطة حقوق الإنسان و تارة بدعوى تمكين الشعوب المستضعفة من حقها في الديمقراطية و ضمان الحريات الفردية و الجماعية…
إنها أسطر خالدة تعترف فيها العدل و الإحسان أن لعبة حراك 2011 لم تكن إلا رسم معالم عالم عربي و اسلامي جديد و أن الجماعة تشير بأصبع الإتهام إلى الإستكبار أي أمريكا و باقي حلفائها، فهل الجماعة راجعت نفسها؟ إذا كان الأمر كذلك فلتكشف لنا ما تراكم لديها من أدلة بعد تواصلها المستمر مع سفارات الإستكبار العالمي.
يقول البيان أن دول المركز(واللفظة هنا تحيل على سمير أمين الإقتصادي المصري الذي يتحدث عن المركز و المحيط في الإقتصاد العالمي و سمير أمين ليس بالمناسبة إسلاميا) تسعى للتدخل في شؤون البلدان الخاضعة لنفوذها تارة تحت يافطة حقوق الإنسان فهل يتعلق الأمر بعودة الوعي أم أن الجماعة استفاقت بعد فوات الأوان لتعرف أن حقوق الإنسان و احترام حقوق الإنسان ليس إلا يافطة و الجماعة يوم كانت تشتكي المغرب للخارج فهل كانت تبحث فقط عن تحريك اليافطة أم أنها كانت تريد أكثر من اليافطة؟
يقول البيان كذلك أن دول المركز تتدخل في دول المحيط بدعوى تمكين الشعوب المستضعفة من حقها في الديمقراطية و ضمان الحرية الفردية و الجماعية.
من يقرأ الفقرة الأخيرة فإنه لا محالة يشعر بالدهشة عندما يعرف أن البيان ليس بيان حزب الله في لبنان أو وزارة الخاَرجية الإيرانية أو ما تبقى من أحزاب و قوى الممانعة و المقاومة في سوريا و لبنان و فلسطين، التي لها موقف خاص جدا من الديمقراطية المستوردة و حقوق الإنسان غير الفلسطيني و الإحتلال الإسرائيلي…
عجبت لهذا التقرير الذي يؤرخ لتيه الجماعة بين أصولها الشمولية ومستلزمات استيراد الديمقراطية من الخارج و أكسسواراتها الحقوقية…
إنه زمن التيه و التمزق الذي تعيشه الجماعة و ستعيشه لأزمنة ما لم تقم بمراجعة شمولية لمرجعيتها وتختار الوضوح والبرنامج المرحلي الذي يتعارض مع مكتسبات الشعب التي لن يفرط فيها و يرفض اليوم وغدا أن يمد يده للذين يضعون حسابات تتجاوزها.