ربما قد بات التعديل الحكومي عقب كل سنتين عن انتداب كل جهاز تنفيذي شبه تقليد في المغرب ذلك أن استكمال خمسة سنوات ببرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المسطرة والمتكاملة نظريا عقب تشكيل المجلس التنفيذي ومصادقة المجلس التشريعي على مضمونها باتت لا هي بقارة ولا هي بمرنة التعديل خصوصا مع تولي حكومة بن كيران تدبير الشأن العام حيث استلزمت وقتا ليس اعتياديا لا فقط حينما استلزم الأمر بتلميم أعضاءها ولا في مرحلة إعادة ترميمها عقب الالتحاق “الرمزي” لوزراء حزب الاستقلال بفعاليات المعارضة. قد لا يكون عنصر الوقت ذا أهمية بالغة إذا كان سينجم عنه هيكلة حكومية فعالة من حيث استجابة توجهاتها صوب الرقي بمنتظرات المواطن المغربي. إلا أنه سرعان ما اتضح أن التدبير الأحادي الجانب للفعاليات الحكومية لحزب العدالة والتنمية جعلت من مساحة التباين بين الحزب وباقي الفعاليات الحكومية تتسع لتتخذ في مرحلة أولى شكل اتهامات واستفهامات حول نوايا حزب العدالة والتنمية الذي اتضح أنه وقع في خلط بين ترأس الحكومة بمعنى تدبير التوافق الحكومي وبين الحكم، لتنتقل إلى مرحلة ثانية تميزت بغياب التنسيق الحكومي وانشغال كل حزب حكومي بتدبير خاص به للقطاعات المعهودة إليه لينحصر دور رئيس الحكومة بالتلويح بتحمل الأحزاب لمسؤولياتهم ليعلن ضمنيا عدم قدرته على توجيه وتنسيق تدبير الشأن الحكومي وفقا لمقتضيات الدستور. فبناء على التوجه السابق، كان من البديهي أن تتلو المرحلتين السالفتي الذكر مرحلة شبه عزلة حزب العدالة والتنمية ابتداء من غياب أحزاب المعارضة عن جلسات مساءلة رئيس الحكومة والتي اعتبرتها هذه الأحزاب كما تتبعها المواطن المغربي كونها باتت جلسات يناقش خلالها “كل شيء” ما عدا هموم المواطن وما عدا تطور إنجاز البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي سنت ضمن قانون المالية، لتتوج باستقالة حزب الاستقلال أحد ركائز الأغلبية ليعود حزب العدالة والتنمية إلى نقطة البداية بحثا عن حليف سياسي “قد يرضى بما لم يرض به حزب الاستقلال” مع العلم أن انسحاب حزب الاستقلال لم يكن “بريئا” وبدون خلفيات ذلك أن حيثيات انسحابه جلية وبينة ولا يمكن بتاتا اختزالها في طموحات حميد شباط لتبوء الأمانة العامة للحزب (…).
“بهتان” صعوبة البحث عن حليف سياسي لتعويض حزب الاستقلال
بناء على تصريحات مزوار كون حزب الأحرار لن يقبل بلعب “رويضة سوكور”، ولا بتعويض وزير من الاستقلال بوزير من الأحرار، ولا القبول بالهيكلة الحالية للحكومة ولا بتبني البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي كانت ماضية في تفعيله الحكومة السابقة (لكونه أصلا كان ضده)، ربما قد ألبس مزوار حزبه لباسا أكبر من قياسه السياسي والتاريخي ورغب في جعل لاءاته الثلاث هذه صيغة لرد الاعتبار لشخصه ولحزبه الذي تعرض في فترة لا زال الكل يتذكرها لأسوأ النعوت من طرف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الحالية. فعلاوة على الانقسام داخل الحزب بشأن تعويض انسحاب حزب الاستقلال وإرثه من حكومة بنكيران في نسختها الأولى، فعلى حزب الحمامة العمل على ضمان الحفاظ على “جناحيه” في وقت يشتد فيه الجدل حول الاستوزار في النسخة الثانية لحكومة بنكيران، وجب على الأمين العام لحزب الحمامة أن يعلم أنه رهن نفسه وحزبه بلاءاته الثلاث وبالتالي سيحاسب على قدرته للالتزام بها. في واقع الأمر لا وجود لأية صعوبة بالنسبة لبنكيران قصد إيجاد حليف سياسي لكون المشهد السياسي المغربي لا يتوفر على غير حزب الحمامة للعب دور البديل. الصعوبة الفعلية، أعتقد ذلك، التي كانت لديه تكمن في كيفية التصدي والتحايل على طموحات مزوار قصد إنجاح المرور إلى نسخة حكومية ثانية تفاديا لانتخابات سابقة لأوانها وما قد تحمله من خبايا بالنظر لسلبية نتائج العدالة والتنمية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي مقارنة بما كان يوهم المواطن المغربي به. ما قد يكون قد ساعد بنكيران على التجاوز المؤقت للاءات مزوار هي المزايدات التي طالب بها حلفاء النسخة الحكومية الأولى كالزيادة في الحقائب الوزارية. فالاستباق بالمطالبة في زيادة الحقائب الوزارية هي خير وسيلة سياسية للدفاع عن الحقائب المكتسبة وإرغام الوافد الجديد حزب الحمامة إلى الاكتفاء بتعويض المناصب الاستقلالية الشاغرة. على أية حال، فطموحات كل طرف في النسخة الحكومية المستقبلية متناقضة وإذا ما استمر المد والجزر على هذا السبيل، فما كان يحاول تجنبه من انتخابات سابقة لأوانها، قد يصبح ضرورة واقعية.
تناقضات وعراقيل ترميم الحكومة
لو كان الأمر يتعلق كما يقال بتسريع وثيرة الأداء الحكومي فهذا لن يتأتى بالاكتفاء باستبدال وزير بوزير ذلك أن الأداء الحكومي هو أسمى من ذلك فهو انسجام بين فعاليات حزبية وتوافق حول أهداف اقتصادية واجتماعية توازن بين ما هو ما كرو اقتصادي وما هو ميكرو اقتصادي وتشارك في سن منهجية عمل ذات صبغة حكومية متعالية عن السبق أو العرقلة الحزبية وتشارك كذلك في تحمل تبعات ما تمت برمجته. علما أن التدبير التشاركي اتخذ بعدا تأكيديا في ظل دستور 2011 بضرورة جعل المعارضة سندا مستداما وبناء للجهاز التشريعي وبالتالي للجهاز التنفيذي. وبالتالي يطرح التساؤل حول الجدوى من التعديل الحكومي إذا ما تم اختزاله في استبدال وزير بوزير في وقت تطرح فيه إشكالية إعادة النظر في هيكلة مؤسسات الحكومة ونمط اشتغالها. فتارة ينادي رئيس الحكومة بضرورة تقليص عدد الحقائب الوزارية وتارة يلتزم الصمت آملا تمرير الأزمة السياسية بإقناع حزب الأحرار بقبول حقائب حزب الاستقلال “الشاغرة” ليبقى الوضع على ما هو عليه. ثمة سؤال آخر يطرح نفسه ذلك أنه إذا ما استثنينا وزراء حزب الاستقلال الذي وصفهم أمينهم العام حميد شباط بعديمي المردودية، فهل يعني هذا أن باقي وزراء الحركة الشعبية والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية هم أكفاء وأن القطاعات المعهودة إليهم تدبر بشكل إيجابي ؟ فالجواب على مثل هذه الأسئلة قد يوضح للمواطن المغربي الرؤيا بخصوص نوعية الحل الأنسب لتجاوز الإشكالية السياسية القائمة وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني والمستوى المعيشي للمواطن المغربي، فهل الأنسب هو استبدال وزير بوزير من أحزاب مختلفة أم في تقليص عدد الوزراء مع الاحتفاظ بمن أبان عن إيجابية في عمله بما فيهم وزراء حزب العدالة والتنمية بالطبع؟ إلا أن فعاليات المشهد السياسي المغربي لا زالت لم ترق إلى هذا النوع من التقييم الوزاري بالرغم من الفشل البين الذي أبان عنه بعض الوزراء في تأديتهم لمهامهم. وبالرغم من التعليلات والتفسيرات التي قد يتم إلصاقها بالفشل، فالمعنى الواقعي والموضوعي له هو كون قطاع معين أو وزارة معينة أو إدارة معينة لم تنتج قيمة إضافية لا للاقتصاد الوطني ولا خدمة للمواطن المغربي وبالتالي فكل الموارد المالية التي استنزفت والتي هي أصلا إما ضرائب وإما ديون سيؤديها المواطن المغربي كرها وبدون مقابل وبدون محاسبة تجعل من الفشل مرادفا للتبذير جراء سوء التسيير.
ماذا عن جدوى إعادة هيكلة حكومة بن كيران ؟
إذا ما تم اعتماد ما صرح به حزب الأحرار على لسان أمينهم العام أي إعادة النظر في البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الحكومي بالموازاة مع إعادة هيكلة الحكومة، فلن يكون حينها لرئيس الحكومة مبررا موضوعيا يعلل به إكراه حزب الاستقلال إلى الانسحاب اتجاه المعارضة ما دامت المطالب الذي طالب بها هذا الأخير هي في جوهرها نفس مطالب الأحرار إن لم نقل أن سقف هؤلاء يعلو عليها. لقد سبق لرئيس الحكومة بن كيران أن صرح بعزمه عن التقليص من الحقائب الوزارية، اعترافا منه من ثقلها على ميزانية دولة تدعي الأزمة، تم عدل عن ذلك (…) ولم يسلك هذا السبيل بالرغم من فشل غالبية البرامج التي تقدم بها وزراء حزب العدالة والتنمية وبعض باقي وزراء أحزاب الأغلبية. وقد يكون هذا دليلا على عجز رئيس الحكومة بن كيران عن إقالة أية وزير مخافة أن يتحرك حزبه عجبا لفعاليات سياسية متقلدة مهمة تدبير الشأن العام ومعتمدة لخطابات تدعي مصلحة البلاد والعقلانية وحسن التدبير ونجدها تشترط مساهمتها في الحكومة استنادا إلى معيار “ثقل” الحزب وتاريخه (كما لو كانوا موظفون يناقشون الترقية وفق الأقدمية) !! متجاهلة معيار الفعالية. فالأكيد أن الحكومة لا زالت تشكل فعالياتها على أسس سياسية حزبية وليس على أسس العقلانية الاقتصادية والكفاءة. هل تمت هناك دراسة فعلية جادة يتحدد على أساس نتائجها عدد الوزراء وعدد النواب (…) اللازمين فعليا لتدبير الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ؟ وهل يحدد التدبير الجيد للشأن العمومي استنادا على المعيار العددي للوزراء أم استنادا على كفاءتهم ونتائج تدبيرهم للمؤسسات ؟ وتكفينا نظرة إلى التشكيلات الحكومية في الدول المتقدمة ليسهل علينا استنتاج المعيار المتبنى في تشكيل حكومة تدعي أزمة مالية وما هي بمالية بل تدبيرية.
متطلبات شعبية مبنية للمجهول
ما عسى المواطن المغربي أن ينتظر من حكومة أشبعته بالوعود وبالأوهام المضادة لعدم إنجازها جاعلة إياه متتبعا لمسلسل من الصراعات المفتعلة قصد حجب العجز عن القدرة عن تدبير توافق حكومي يجعل من أدنى متطلبات المواطن قاعدة عمله الأولوية ليجد ذات المواطن همومه آخر ما تفكر في تلبيته حكومة بن كيران ؟. ما عسى المواطن المغربي أن ينتظر من حكومة يتبرأ كل فاعل فيها من مبادرة الآخر إلى أن انتهت إلى حكومة شل عمل فاعل حزبي من ضمنها ليتلوه انسحاب المعارضة من تنشيط وإثراء العمل التشريعي وبالتالي الحكومي ؟. ما عسى أن ننتظر من حكومة نبذت معالجة إشكالية تشغيل المعطلين في حين نشطت وتوافقت وسارعت في تشغيل ذوي القرابة الحزبية في المناصب العليا ؟ ما مآل قطاع الصحة والذي لا تنقطع فضائحه وغيابه شبه التام عن العالم القروي؟ ما مآل قطاع التعليم، مناهجه وتلامذته وموظفوه الإداريين والأساتذة ؟ وماذا عن التعليم العالي والبحث العلمي الذي تاه بين محاربة الفساد ودعوة الجامعات الأجنبية كمقدمة مستترة ل”خوصصة” التعليم العالي وبرنامج إنشاء مجمعات للتعليم العالي؟ وماذا عن إشكالية توفير السكن للطبقتين المجتمعتين الدنيا والمتوسطة علاوة على إشكالية دور الصفيح التي لا زالت على وتيرتها ؟ وماذا عن مراقبة تطورات أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية ؟ وماذا عن مآل المستوى المعيشي للعمال والموظفين؟ مسلسل يتابعه بحيرة المواطن المغربي والمتخذة حلقاته عنوان “ما مآل…؟” (…) على هذا المنوال مشينا إذا لينتهي الجزء الأول من تجربة رئاسة بن كيران وحزبه للحكومة على إيقاع “الطلاق” الحزبي وانهيار آمال وثقة المواطن المغربي من جراء سلبية نتائج الجزء الأول من هذه التجربة. ترى ما كلفة هذه المرحلة الانتقالية على المواطن المغربي ؟ ثلة من الوزراء لا “يشتغلون” لكونهم مستقيلون، ومجلس تشريعي جله يائس من التدبير الحكومي وبالتالي فإصدار القوانين التي من شأنا أن تعنى بمصالح المواطن المغربي تبقى معلقة إلى حين ربما بدأ الجزء الثاني من تجربة بن كيران إذا ما تمكن من إيجاد حل للأزمة الحكومية الحالية بصفته رئيسا لها. مع العلم أن إيجاد حليف سياسي لخلافة حزب الاستقلال قد لا يقود بالضرورة حكومة بن كيران في نسختها الثانية إلى الرفع من مؤشر ثقة المواطن المغربي في الأداء الحكومي ليبقى المشهد السياسي المغربي مفتوحا على كل الاحتمالات وأبرزها حل البرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها والتي تبقى رهينة بمدى قدرة الأحزاب على إقناع المواطن المغربي للعودة إلى صناديق الاقتراع.