نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريرا عن السياسية الإعلامية لمحطة التلفزيون المملوكة لإمارة قطر، قناة الجزيرة الفضائية.
وقال التقرير إن قناة الجزيرة حجزت لها مقعدا مؤثرا في الصف الأول لأحداث “يوم الغضب” في القاهرة قبل عامين تقريبا، والتي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك.
وفي الوقت الذي سارعت فيه مؤسسات إعلامية غربية عديدة لزيادة تغطيتها للثورة المصرية الوليدة، كانت تقارير الجزيرة تجتاح جموع المحتجين وتخترق المظاهرات التي انتهت باشتعال مقرات الحزب الحاكم ونزول الجيش إلى الشوارع، كما أورد التقرير.
حتى الآن، حسب التقرير نفسه، وانعكاسا لما أنجزته الانتفاضة العربية نفسها، فقد هيأ انتصار القاهرة الطريق لقناة الجزيرة لخوض تجربة أكثر تعقيدا، في الوقت الذي تسعى فيه إلى بسط نفوذها الدولي عبر الاستثمار في سوق التلفزيون الأمريكي.
أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني
والجزيرة المعروفة في الشرق الأوسط بتقاريرها الجريئة وأحيانا الثورية عن منطقة القمع السياسي، وصفت صفقة شرائها، الأسبوع الماضي، لشبكة تلفاز تابعة لنائب الرئيس السابق آل غور، بأنها “تطور تاريخي” في سوق الإعلام الأمريكي، الذي كانت تطمح للتوسع فيه منذ فترة.
(وقناة “كارينت تي في” التلفازية، التي اشترتها الجزيرة، محطة عمرها سبعة أعوام تعمل بنظام المشتركين وشارك في تأسيسها نائب الرئيس السابق آل جور. لم يتم الإعلان عن شروط الصفقة، لكن صحيفة “ترايد جورنال فارايتي” ذكرت أن قناة الجزيرة دفعت نحو 500 مليون دولار كان نصيب آل جور منها نحو 100 مليون دولار.
ولم تلق قناة آل جور رواجا وانتشارات، ولكن بفضل إبرام بعض الصفقات الحذرة مع شركات تلفزيون تعمل بالاشتراك فإنه يتم بث المحطة لنحو 40 مليون أسرة في الولايات المتحدة.
أما الآن، فإن معظم هؤلاء سوف يستقبلون بث قناة الجزيرة التي تخطط لإحداث زيادة جذرية في تغطيتها للولايات المتحدة في الوقت الذي تسعى فيه أيضا إلى أن تقدم للمشاهدين الأمريكيين بديلا لقنوات الأخبار الرئيسية. وتراهن الجزيرة في هذا على أن أكثر من 40 في المائة من مشاهدي قناة الجزيرة الانجليزية هم من الولايات المتحدة).
وتخطط محطة الجزيرة، التي لديها قناة ناطقة بالإنجليزية، وتُرى في أكثر من 260 مليون بيت على امتداد 130 دولة، لإطلاق قناة إخبارية ومقرها الولايات المتحدة وستكون متاحة على شبكة توزيع “كرنت تي في” (التي اشترتها) هذا العام.
وقال التقرير إنه في الوقت الذي تحتفل فيه قناة الجزيرة بصفقتها الجديدة في سوق الإعلام الأمريكي، فإنه تواجه أسئلة صعبة حول تغطيتها، وما إذا كانت مستقلة عن “النظام الوراثي الاستبدادي الحاكم في قطر” كما تدعي ذلك، حيث يتم تمويل المحطة جزئيا من قبل حكومة قطر. والدور السياسي المتزايد لإمارة قطر في التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، زاد من التدقيق في تغطية الجزيرة.
“مع الربيع العربي، زاد انتشار ومصداقية الجزيرة في الغرب”، كما اعترف بهذا “جين كينينمونت”، وهو باحث كبير في قسم الشرق الأوسط في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية ومقرها لندن. وأضاف: “لكن بالتأكيد، أصبحت المحطة أكثر عرضة للنقد في العالم العربي، أو، على الأقل، صار يُنظر إليها على أنها أصبحت أكثر تسيسا”.
ورغم أن الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي أسقطت الأنظمة من تونس إلى اليمن أتاحت لقناة الجزيرة فرصة استثنائية لتوسيع جمهورها، كما أفاد التقرير، إلا أنها أثارت مشاكل كبيرة في عملية إدراك وفهم الأحداث.
وبينما يُنظر، كما أورد التقرير، إلى قناة الجزيرة الإنجليزية على أنها تتمتع بدرجة عالية من حرية التصرف، فإن بعض المحللين يرون أن مواقف السياسة الخارجية للدوحة -بما في ذلك دعم الثوار المسلحين في ليبيا وسوريا- يتردد صداها في لهجة التغطية الإخبارية، خصوصا في قناة الجزيرة (الأم) الرائدة (الناطقة بالعربية).
ويقول منتقدون إن الحركات الإسلامية التي حاولت قطر بناء علاقات جيدة معها، تلقى اهتماما أكثر من متعاطف.
وفي السياق نفسه، يقول بعض المراقبين، كما ينقل كاتب التقرير، إن الجزيرة حذرة بشأن تقديم التقارير الإخبارية الحساسة حول قطر، مثل الحريق الذي اشتعل في مركز “فيلاجيو” التجاري بالدوحة، العام الماضي، والتهم 13 أطفال و6 أشخاص، رغم أن القناة تنفي أنها كانت بطيئة في تغطية المأساة.
“الجزيرة عموما هي شبكة الحرة، ولكن تعمل ضمن القيود السياسية كما هي مُعرفة في قطر،” وفقا لما قاله “مايكل ستيفنز”، وهو باحث في معهد “رويال” للخدمات بحثية في قطر.
وتنفي الجزيرة أي تحيز في تغطيتها للأحداث، رغم أن جزءا كبيرا من تمويلها يأتي من الدولة القطرية.
وفي هذا، يقول كاتب التقرير: لعل التوتر الأكبر، مما لا يمكن التنبؤ به، الذي تواجه الآن قناة الجزيرة نابع من المشهد السياسي القطري، والذي يظهر، بشكل متزايد، على خلاف الصورة التي تسوقها المحطة عن نفسها، كشبكة جريئة “مُكرسة لسرد قصص حقيقية من الشارع العربي”.
كما حكمت السلطات القطرية على الشاعر محمد بن الذيب العجمي بالسجن المؤبد في نوفمبر الماضي، بعد نشره قصيدة في العام الماضي، بتهمة بالإساءة لـ”الذات الأميرية” والتحريض ضد نظام الحكم. ولكن قناة الجزيرة، كما يقول كاتب التقرير، لم تهتم كثيرا بفكرة أن سمعتها قد تُهدد من قبل معارضي الحكومة القطرية في الداخل.
عن موقع (أرض كنعان)