بقلم: محمد المستاري
لأن البنيات التحتية بالمغرب هشة تماما ولا تستجيب لمسايرة التطورات والتحولات السوسيو-اقتصادية السريعة، حيث في طرقاتنا نجد بين الحفرة والحفرة حفرتين وأحيانا حفرا كثيرة، كان على الحكومة الجديدة، تماشيا مع توجهاتها وتقديراتها في تحديد عمليات الاستوزار، إجراء بعض التغييرات عليها، من قبيل إحداث وزارتين جديدتين (هما الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية والوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة)، بالإضافة إلى استقلال وزارتي التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، إداريا وماليا، بعدما كانتا وزارة واحدة، وأضيفت تسمية جديدة: «الحريات» إلى «وزارة العدل»،… وذلك من أجل ضمان ومراقبة السير الجيد. كان على الحكومة الحالية أيضا أن تضيف، إلى جانب وزارة النقل والتجهيز، وزارة أخرى مستقلة إداريا وممنوحة ماليا باسم «وزارة الزفت»، وتحدد مهامها في فك العزلة عن المناطق النائية بإحداث طرقات جديدة، وتعبيد/تزفيت الطرقات المحفورة التي هي، في أحسن الأحوال، أشبه ما تكون بفخاخ تنصب للسائقين.
ذلك أن السائق (سائق السيارة، سيارة الأجرة، الحافلة، الشاحنة…) يكاد يجن بكثرة التوقفات تجنبا لما يسمى بـ«التزقليف» الناتج عن عدم سلامة الطرقات، ولذلك تراه ينحو يمينا ثم شمالا بينما هو يقصد وجهة واحدة في طريق واحد، والسبب ليس أنه مخمور أو لم يأخذ حصته الكاملة من النوم كما هي خلاصات العديد من التقارير… والتصريحات الصحفية للمسؤولين أثناء وقوع حوادث بشعة، بل الواقع أن كثرة التوقفات المحتاطة من الوقوع في الحفر هي التي تؤدي بالسائقين إلى الإحساس بالنوم، وهي من المؤديات إلى وقوع حوادث السير.
ولا نكاد نبالغ إذا قلنا إن العديد من المواطنين بفعل هذه التوقفات المتكررة -نتيجة هشاشة الطرقات وعدم سلامتها- أثناء تنقلاتهم اليومية في سياراتهم الخاصة أو السيارات المأجورة أو الحافلات، يحسون بالنوم أيضا، ويحسون كذلك بالاستياء عندما يتأخرون عن مواعيد العمل مكرهين.
أما عن الطاكسي «اللي يالاه اخرج من لاميزو» والذي كان من المفترض أن يبقى سليما لمدة زمنية معينة، فلا يكاد يمر شهران حتى تجد حالته الميكانيكية قد أصبحت غير سليمة.. وتجده بالتالي عند «الميكانيك مفصل بيـاس».
إن ما أشير إليه ليس من باب المبالغة أو الاستخفاف بالقارئ، وإنما هو كلمة صادقة لأننا نرتبط حقيقة بالطريق بشكل واضح، ونفقد فيه مجانا أعزاءنا وأحبابنا، فكل سنة نسمع بأرواح بريئة تزهق.. إننا نعيش حربا محققة بلا حرب.
والمؤسف، مغربيا، هو ما نسمعه على ألسنة المسؤولين، حيث يجترون الكلام غير الجديد في تأويلاتهم لأسباب حوادث السير وأسباب تناميها، بينما الجواب في غاية البساطة، وهو أن «الطرقان محفرين» و«الزفت مغشوش»، إلا زفت الاستعمار الذي ما يزال صامدا في بعض الطرقات؛ أما ارتفاع نسبة حوادث السير فإنها تعود إلى أن الطرقات أصابها البلاء وزاد عدد الحفر فيها.
فإن كان السيد عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل، عاجزا عن محاسبة المفسدين… وكثيرا ما يردد أن هناك أعداء للتغيير وأعداء لفريقه… فليعمل على الأقل على تعبيد/تزفيت الطرقات التي يسوق ويرتبط بها أعداؤه ومحبوه.. لأن كل ما قدمه حتى الآن في وزارته لا يعدو أن يكون مجرد نوايا، ليس إلا. فالرجاء الاستجابة لمطلبنا، وهو بكل بساطة أننا نرغب في أن تكون لدينا وزارة باسم «وزارة الزفت».
وذلك لأن من حق المواطن المغربي، الذي يؤدي الضريبة سنويا، أن يسوق بكل راحة في طرق غير محفرة كتلك التي يشاهدها في الأفلام التركية والمكسيكية المدبلجة التي لا تنفك القنوات المغربية تعرضها. وإلا ستكون الإجابة باللاحَقّ واللاكرامة للمواطن المغربي…
إن الحل الوحيد الذي أراه مناسبا لسياسة حكومية تقول بـ«الحكامة والشفافية والمسؤولية» وغيرها من الخطابات والكليشيهات الجميلة، هو التفاتها إلى قطاع «مريض» جراء التهميش، لأن له مساهمة كبيرة في التنمية، ولأن إغفاله وتناسيه يتسبب في ارتفاع نسبة عدد القتلى سنويا، كما يعمق الحيف في حق من يعيشون العزلة لسنوات طوال. وبهذا تظهر أهمية إضافة وزارة جديدة لتجاوز معيقات هذا المجال، واغتنام محاسنه، وأجلاها تزفيت الطرقات وإعفاؤها من الترقيع والضيق الذي هو أشبه ما يكون بالأمعاء الدقيقة لأضاحي العيد.
إن مشروع إضافة «وزارة الزفت» هو البديل العملي والإجرائي للتهيئة الطرقية الجيدة الخالية من التلوث ومن حوادث السير المرعبة التي تحصد الأرواح البريئة بالمجان. والفاهم يفهـم…