بقلم: نور الدين اليزيد (صحافي مغربي)
كما يحلو للعديد من العاملين في المجال السياسي والاجتماعي والإعلامي ببلادنا ترديد كلمتي “الدخول..والجديد” تتوسطهما كلمة حربائية، تختلف بحسب الناطق؛ فتجد هذا يتحدث عن “الدخول السياسي الجديد”، وذاك يردد “الدخول الاجتماعي الجديد”، وآخر ينعت دخوله بما يراه والقطاع أو المجال المشتغل فيه، أو الذي يريد فقط التعليق عليه من باب الفضول؛
فكاتب هذه السطور هو الآخر يأبى إلا أن يركب موجة هذه “الموضة” ويسمي “دخوله” الذي يريد التعليق عليه بـ”الدخول الدراسي الجديد”، ويقصد به الدخولين المدرسي والجامعي، حيث فتحت مختلف المؤسسات التعليمية ببلادنا، وكذا التكوينية والتدريبية في المجال المهني، أبوابها وسط جدل كبير يدعو لأكثر من مجرد وقفة، بل إلى إجابات واضحة حول مآل ما سمي بالبرنامج الإستعجالي لإصلاح منظومة التكوين والتعليم بمملكتنا السعيدة، والذي استمر طيلة الأربع سنوات المنقضية (2009/2012).
ولن يجد المرء -للتحذير- أكثر وأخطر مما صرح به، في الصيف الماضي، السيد محمد الوفا الوزير المكلف بالتربية الوطنية، من أرقام تقرع ناقوس الخطر على واقع تعليمنا وتكويننا التربوي والمهني، وتحذر كل مكونات المجتمع إلى مآل هذا القطاع الذي ما أحوجه إلى مكاشفة حقيقية ونيات صادقة للدفع به إلى مصاف الأنظمة التعليمية المتطورة للبلدان والأمم المتقدمة؛ فليس أدل على خطورة الوضع بتعليمنا من أن عددا من الأكاديميات المنتشرة في ربوع المملكة لم تنجز سوى 5 بالمائة من المدارس، كما حددها لها البرنامج الاستعجالي، كما أن 31.4 بالمائة من الثانويات بلغت فيها نسبة الاكتظاظ فوق 40 تلميذا، وهي نسب “مقلقة” بحسب تعبير السيد الوزير.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن السيد الوفا يزيد من تعرية واقع تعليمنا، وفي نفس الآن، إماطة اللثام عن بعض الذين أُسندت إليهم مهمة إصلاح التعليم من خلال البرنامج المذكور، فيؤكد أن من الأسباب التي أدت إلى فشل البرنامج الاستعجالي هو وجود “عدد كبير من النقائص” به؛ يُجمل أبرزها في غياب مقاربة تشاركية في تنفيذ مشاريع البرنامج، وغياب مقاربة تعاقدية، وكذا عدم استقرار الساهرين على مشاريع البرنامج على تدبير المصالح المالية بشكل جيد.
إلا أن الخطير في الأمر والذي يبدو كان له الدور الأكبر في عدم وصول البرنامج الإستعجالي إلى تحقيق أهدافه ومراميه، هو “غياب تام للافتحاص” الواجب للصفقات التي تفوق كلفتها 5 ملايين درهم، علاوة على غياب تام لتقارير انتهاء تنفيذ الصفقات التي تفوق كلفتها 1 مليون درهم”، بحسب كلام السيد الوزير.
هاهنا تبرز المسؤولية كاملة وتتبدى الجهات المسؤولة عن فشل مثل هكذا برنامج إستراتيجي، تبددت على إثره بالإضافة إلى أموال عمومية وسنوات دراسية أربع، الآلاف من طموحات أطفالنا وشبابنا، الذين بسبب عدم مسؤولية البعض من الساهرين على إصلاح تعليمنا ومراكز تكويننا، يفقد العديد من أبنائنا حقه في مقعد وفصل دراسي؛ وهاكم مزيدا من الأرقام الذي أدلى بها السيد الوزير نهاية الموسم الدراسي السابق؛ عدد المنقطعين عن الدراسة في الإعدادي تجاوز 10.80 بالمائة، وعلى مستوى التعليم الابتدائي وصلت نسبة المنقطعين إلى 3.1 بالمائة. أما فيما يخص نسب الاكتظاظ ما فوق 40 تلميذا بالقسم، فقد سجل التعليم الابتدائي نسبة بلغت 7.9 بالمائة، وفي الإعدادي بلغ 14.4 بالمائة، بينما تجاوزت هذه النسبة 31.4 بالتعليم الثانوي.
إن هذه الوضعية المتدهورة للتعليم هي التي جعلت جلالة الملك محمد السادس يخصص حيزا هاما من خطاب ذكرى “ثورة الملك والشعب”، في 20 غشت الماضي، لهذا القطاع، ويدعو بكل وضوح إلى ضرورة رسم خارطة طريق جديدة قمينة بتجاوز العثرات السابقة؛ إذ برأي جلالته فإنه “يتعين الانكباب الجاد على هذه المنظومة التربوية التي تسائلنا اليوم، إذ لا ينبغي أن تضمن فقط حق الولوج العادل والمُنصف القائم على المساواة إلى المدرسة والجامعة لجميع أبنائنا، وإنما يتعين أن تخولهم أيضا الحق في الاستفادة في تعليم موفور الجدوى والجاذبية، وملائم للحياة التي تنتظرهم”، قبل أن يضيف جلالة الملك أن “الأمر لا يتعلق في سياق الإصلاح المنشود بتغيير البرامج أو إضافة مواد أو حذف أخرى، وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس منطق التكوين وأهدافه”.
إن هذه المكاشفة لا ينبغي أن تعفي البعض ومنهم فاعلون سياسيون وجمعويون وإعلام وأولياء أمور، من ضرورة الانخراط الجاد في إصلاح منظومة التعليم، كلّ من موقعه؛ كما أنها نفسها هي المكاشفة التي يجب أن يتحلى بها من أوكلت له مهمة الإصلاح ولم يستطع إلى ذلك سبيلا، وهي نفس المكاشفة أيضا والجرأة التي ينبغي لذوي الاختصاص أن يتمتعوا بها من أجل تحريك فرق التفتيش والتدقيق في المال العام، احتراما لمقتضيات الدستور التي تربط المسؤولية بالمحاسبة..إنه “الدخول الدستوري الجديد” !