في السنوات الثلاث الماضية منذ تنصيب أوباما رئيسًا، شهد العالم تحولات كبيرة في السياسة الخارجية الأميركية. فقد أنهت الولايات المتحدة مشاركتها في العراق، وركزت جهودها على الأمن ومنع الانتشار النووي، وشددت على أهمية منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالنسبة للمصالح الأميركية.
وإذا واصلت الولايات المتحدة السير على المسار الذي وضعه الرئيس، “فأعتقد أننا سنرى في عام 2016 موقف أميركا على الصعيد العالمي يبدو مختلفًا للغاية عما كان عليه في عام 2008″، على حد قول نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض بن رودس.
وكان رودس يتحدث يوم 30 يناير المنصرم في مركز التقدم الأميركي، وهو مركز أبحاث للسياسات العامة في واشنطن.
لقد ركز أوباما في حملته الانتخابية على التزام يقضي بإنهاء مشاركة الجيش الأميركي في العراق، وقال رودس “لقد تم الآن الوفاء بهذا الالتزام”. ففي غشت 2010 تم سحب مئة ألف جندي أميركي وانتهت جميع العمليات القتالية الأميركية في البلاد، وفي عام 2011 تم سحب آخر جزء من القوات الأميركية، وبذلك تم الوفاء باتفاق الانسحاب الأميركي مع الحكومة العراقية.
إن الانسحاب لم يتح الفرصة للولايات المتحدة والعراق لبناء علاقة جديدة بين البلدين باعتبارهما دولتين مستقلتيْن فحسب، ولكنه أيضا عزز جهود الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة الإرهابي الدولي.
وتحدث رودس عن العراق قائلا إنه “كان بؤرة التركيز الشامل للسياسة الخارجية الأميركية لسنوات عديدة. وتقريبًا من الصعب للبعض منا اليوم تذكُّر ذلك، ولكن في الحقيقة، لمدة خمس سنوات أو نحو ذلك، كان العراق حقًا يشغل انتباه معظم واضعي السياسات في واشنطن، ويستحوذ على تحركاتنا ونشاطنا حول العالم”.
و أردف قائلا: “إن إنهاء الحرب في العراق كان جزءًا هامًا من عملية تحويل اتجاهنا إلى جهد أكثر تركيزًا ضد تنظيم القاعدة. وتجلّى ذلك في الموارد التي خُصصت لمكافحة تنظيم القاعدة، وكذلك في كيفية إنفاق الحكومة وقتها”، بما في ذلك الإمكانيات الكبرى للقوات الأميركية للعمليات الخاصة في أفغانستان ضد تنظيم القاعدة.
لقد تحولت الحرب العالمية على الإرهاب إلى جهود أميركية تنحصر بشكل مكثف ضد القاعدة. وقال رودس إن الانسحاب القادم للقوات الأميركية في أفغانستان سيتيح تركيزًا أكثر ضد التنظيم الإرهابي والجماعات المرتبطة به في الصومال واليمن وأماكن أخرى.
إن أعظم خطر محتمل على الأمن القومي الأميركي هو وجود سلاح نووي في أيدي منظمة إرهابية. وذكر رودس أنه خلال السنوات الثلاث الأولى من ولاية حكم الرئيس أوباما، أعاد أوباما التوازن لإستراتيجية الأمن القومي الأميركي لتتضمن جدول أعمال شاملا للأمن النووي ومنع انتشار السلاح النووي بغية المساعدة في مكافحة هذا التهديد في جميع أنحاء العالم.
وقد أدت استراتيجية الرئيس إلى توقيع معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية (معاهدة ستارت الجديدة) مع روسيا، والتي يقوم بموجبها كلا البلدين بخفض مخزوناتهما من الأسلحة النووية بنسبة 30 في المئة.
وتحت قيادة الرئيس، وضع المجتمع الدولي نصب عينيه هدفًا يتمثل في منع الإرهاب النووي من خلال تأمين جميع المواد النووية المعرضة للخطر في العالم بحلول عام 2014. ومن خلال هذا النهج ذي المسار المزدوج الذي يتبناه الرئيس تجاه إيران وكوريا الشمالية، قام أوباما بزيادة الضغط العالمي على كلا البلدين وتعميق عزلتهما بسبب أنشطتهما النووية.
كما قام أوباما أيضًا بخفض دور الأسلحة النووية في استراتيجية الأمن القومي الأميركي مع مواصلة وقف نشاط الولايات المتحدة في مجال إجراء التجارب النووية، وتعهّد بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي تمتثل لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
وقال رودس إنه خلال حكم الرئيس أوباما، استمرت الولايات المتحدة في دعم المزيد من الحرية والديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وهي تفعل ذلك “من خلال نهج يمكّن ويعزز الحركات الداعية إلى التغيير بدلا من محاولة فرض نتائج أميركية على الأوضاع.”
ومضي رودس يقول إن هذا النهج قد أدى إلى توجيه استجابة الولايات المتحدة ليس فقط نحو الانتفاضات السياسية العربية الأخيرة، ولكن أيضًا تجاه التطورات الحاصلة في دول مثل ساحل العاج وجنوب السودان وبورما.
وقد حولت الولايات المتحدة تركيزها أيضًا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ليس فقط من خلال التغييرات في ميزانيتها الدفاعية وقرارها إرسال فريق من مشاة البحرية الأمريكية إلى أستراليا، ولكن أيضًا من خلال التطورات التجارية مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، والانتهاء من وضع اتفاق للتجارة الحرة مع كوريا الجنوبية، ومشاركة الولايات المتحدة في قمة شرق آسيا ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وقال رودس إن الرئيس وسّع أيضًا نطاق علاقة الولايات المتحدة مع القوى البازغة مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا وتركيا، وأنه نشّط الاقتصادات الرئيسية ضمن مجموعة الدول الـ20 لتحل محل مجموعة الثماني كمنتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي.
كما غيّر أوباما أيضًا من دور المساعدات الأميركية في البلدان النامية للتأكيد على الاستثمار في القدرات، والذي يهدف على المدى الطويل إلى مساعدة تلك البلدان لكي تصبح أكثر اعتمادًا على الذات، وأقل احتياجًا للمساعدات الخارجية.
وأشار رودس إلى أنه وبعد ثلاث سنوات من تنصيب الرئيس أوباما هناك “زيادة كبير للغاية في الطلب في مختلف أنحاء العالم على الدور القيادي للولايات المتحدة، وعلى الشراكة معها في مجالي التجارة والأمن العالميين.”
وقال إنه “لا توجد دولة أخرى تقترب من حجم الدور الذي تلعبه أميركا” في النظام الدولي والتطورات العالمية.
أكورا بريس: ز.أ