الحصيلة السنوية للأمن الوطني: إحصائيات مكافحة الجريمة بكل أنواعها والتهديدات الإرهابية
على هامش حلول الذكرى 36 لاغتيال عمر بن جلون “الشهيد اغتيل بتاريخ 18 دجنبر 1975″، أكورا تعيد نشر تصريحات مصطفى خزار منفذ جريمة اغتيال المناضل الاتحادي عمر، كما نشرتها أسبوعية الراحلة “أوال”، من إنجاز الصحافي يوسف ججيلي الحاصل على الجائزة الكبرى للصحافة المغربية في نسخة 2011، جنس الصحافة المكتوبة. اضغط هنا.
النص الكامل للحوار الشهادة:
يوم الخميس 18 دجنبر 1975، الساعة تشير إلى حوالي الثانية بعد الزوال. رجل قصير القامة، اسمر البشرة يترجل من سيارته البيضاء من طراز “رونو16″ أمام أحد منازل درب “مولان” بقلب العاصمة الاقتصادية فيما ينتظر شابان ملتحيان، في العشرينيات من العمر، فرصة التقرب من الرجل الذي يهم بدخول بيته، يوجدان في آخر الدرب.
هكذا بدا المشهد قبل أن يتوقف الرجل، الذي لمي يكن سوى عمر بنجلون القيادي في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، للحظة وهو يرقب دنو الشابين الملتحيين مصطفى خزار وأحمد سعد منه. “كان قد ضرب لنا موعدا عبر الهاتف للقائه في هذه الساعة”، يقول مصطفى خزار الذي يضيف، في الحوار الذي خص به “أوال” ،:”بادرناه بالتحية ورد علينا بمثلها”، لكن التوتر خيم على “اللقاء” العابر وانتهى باختراق مفك للبراغي الجهة اليسرى من بطن عمر بنجلون لينتهي “لقاء النصيحة” بين الملتحيين والقيادي الاتحادي بجريمة قتل جريمة مازالت أصوات يسارية تطالب بكشف الحقيقة عنها كاملة، ومعاقبة الأيادي التي حركت مرتكبيها من وراء الستار وساهمت في اغتيال معد التقرير الإيديولوجي لحزب الاتحاد الاشتراكي.
اليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود على اغتيال بنجلون نعود في “أوال” إلى فتح هذا الملف من جديد بإجراء حوار مطول مع قاتل كاتب افتتاحيات جريدة “المحرر” في محاولة للمساهمة في كشف الحقيقة. ورغم التبريرات التي ساقها مصطفى خزار في هذا الحوار، فإنها لات تبرر إقدام شخص على إنهاء حياة مواطن أخر فقط لأنه يختلف معه من حيث المرجعيات والمبادئ، لأن القتل لا مذهب ولا دين له.
عمر بنجلون، شخصية بارزة فهو مناضل ذو قدرة كبيرة على العمل، رجل شجاع، واجه أحكام الإعدام وتهجمات الخصوم السياسيين والنقابيين وعنف المخزن وعذاب المعتقل السري دار المقري ودرب مولاي الشريف… من الطرد الملغوم إلى تاريخ الاغتيال لكن من يكون مصطفى خزار الذي اغتاله؟ ومن هو أحمد سعد الذي ساعده على ارتكاب الجريمة؟ هل كانت عملية مدروسة اجتمعت فيها أطراف مختلفة وحدتها مصلحة التخلص من عمر؟ أم أن الأمر يتعلق بصدفة القدر أو بانتهاء أجل العيش لبنجلون في ذلك اليوم البارد من شهر دجنبر سنة 1975؟ أجوبة هذه الأسئلة تجدونها في هذا الحوار الحصري مع مصطفى خزار.
لم أكن أخطط لقتل عمر بنجلون، وأقدم اعتذاري إلى عائلته الصغيرة.
أين ازددت وكيف كانت النشأة؟
ازددت في مدينة الدار البيضاء سنة 1955 وبالضبط في إحدى غرف مستشفى درب غلف، كانت أسرتي تقطن حينها في حي سيدي عثمان وكنت في سن مبكرة حين انتقلت أسرتي إلى حي فريحة في سباتة، حيث تابعت دراستي في مدرسة مولاي إسماعيل التي كانت تسمى من قبل سيدي عثمان. وبعد مرحلة الدراسة الابتدائية والإعدادية، شاءت الظروف أن أتوقف عن متابعة التحصيل العلمي وأنا في قسم الرابعة إعدادي لأنتقل بعد ذلك إلى مجال التكوين المهني.
هل كانت لديك نشاطات سياسية في مرحلة الصغر والمراهقة؟
لم تكن هناك أنشطة معينة لكن كان الجو العام يغلب عليه تواجد قوى اليسار في مختلف مناحي الحياة اليومية آنذاك وكانت أحداث 1965 أهم ما رسخ في ذهني وأثر في شخصيتي ولم يكن عمري حينها يتجاوز 11 سنة عندما اندلعت الأحداث
ما هي أهم ذكرياتك لتلك الفترة؟
كان هناك نوع من “السيبة” مع موجات الاحتجاج المتصاعدة التي تفاعل معها الشارع المغربي كنت في تلك الفترة في القسم الثاني من التعليم الابتدائي ، وبينما كنا نتابع حصتنا الدراسية، اقتحم شخص غريب الفصل ، طالبا من المعلم أن يسمح للتلاميذ بالخروج للتظاهر في الشارع ورغم صغر سني فقد اندمجت مع المحتجين. في تلك الفترة، كما سبق وأشرت كان المسيطر على الوضع السياسي في البلاد هي قوى اليسار، فمنذ 1959 تمكن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من بسط سيطرته على الوضع السياسي في البلاد معوضا بذلك حزب الاستقلال الذي كان يقوم بهذا الدور وكما يعلم الجميع فقد قاد هذا اليسار عبد الله إبراهيم.
ما هي الصورة التي تكونت في مخيلتك حول زعامات اليسار حينها؟
في صغري لم تكن لي ضوابط معينة لتحليل شخصياتهم لكن كان هناك اندفاع فحسب وكنت أرى فيهم أشخاصا يريدون التغيير فدخلت لتلك المعمعة دون أي هدف. أظن أن أغلبية التظاهرات التي عاشها المغرب في ذلك الوقت كانت غير مؤطرة وكان الشعب يدخلها دون أي وعي، فيما كان يتحكم فيها قياديون كبار، وهو ما كان ساندا في تلك الفترة.
لماذا كنت ضد موجة اليسار، الذي تقول إنك تأثرت بالاحتجاجات التي كان ينظمها ، واخترت الانضمام إلى تنظيم إسلامي؟
بالفعل كان اليسار هو المهين، وكل التنظيمات كانت تحت ظل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وكان يقدم زعاماته على أن لهم قيمة فكرية واكتسبت تعاطف الشعب من خلال تضحيات كثيرة قدمها للوطن. وفي فترة المقاومة كان التعاطف مع الاستقلاليين رغم أن عددا ممن انضموا إليهم لم تكن لهم توجهات سياسية، مثل الزرقطوني والذين يعملون ويتحركون بخلفيات حب الوطن والدفاع عن الدين ضد الصليبيين وأن الدين، فموحا وحمو الزياني وعبد الكريم الخطابي، كانت انتفاضاتهم بخلفيات إسلامية . والإسلام بحد ذاته هو المحرك الأساسي لكل الحركات، إلا أنه تراجع لأسباب معينة لصالح التيارات اليسارية في فترة من الفترات.
كيف انتقلت إلى تنظيم إسلامي؟
كان هناك تعاطف مع التوجه الإسلامي في سن 18 سنة تقريبا، حين دخلت مجموعة من العلماء الإسلاميين إلى المغرب كالشيخ الزمزمي والسرمدي والشيخ الزبير وهم الذين كان لهم أثر على التحول في حياتي.
وعبد الكريم مطيع؟
كان له حضور وتأثير علي كعالم، وهو شخصية بارزة، له إطار ويعمل في تنظيم إسلامي، أول التيارات الإسلامية، التي ظهرت حينها كانت في شكل جمعيات ثقافية مثل جمعية البعث الإسلامي التي كان يرأسها إسماعيل الخطيب.
من ساهم في تقريبك إلى الشبيبة الإسلامية؟
أنا من الناس الذي لم يكونوا يعملون تحت غطاء الشبيبة الإسلامية باستمرار بصفتي عضوا كامل العضوية وهي نقطة أساسية أريد التأكيد عليها.
لكنك كنت متأثرا بأبجديات التنظيم الإسلامي؟
لم أكن متأثرا وإنما كان هناك توجه عام يميل نحو هذا التوجه، بل حتى القصر آنذاك رفع شعار البعث الإسلامي، لأنه رأى أن اليسار بدأ يتراجع في مقابل تقدم الإسلاميين. وفي تلك الفترة، سمح بإلقاء محاضرات حول الفكر الإسلامي وظهر مجموعة من المنظرين في هذا الميدان.
من كان يلقي هذه المحاضرات؟
كان هناك الصمدي والخطيب والشيخ الزبير رحمه الله، الذي كان يلقي الدروس في مسجد اليوسفي بالدار البيضاء كل ثلاثاء، وكان الشيخ حسن التيجاني، مختصا في الأحاديث وكانوا يجذبون قلوب الناس، إضافة على علماء يأتون من الخارج يلقون خطبهم في مسجد اليوسفي ومسجد السنة، وشهد المغرب حينها نوعا من الحركية في المجال الدعوي، وهذا ساهم في تكويني الإسلامي.
هل كان هناك تكوين مواز على مستوى خلايا وتنظيمات؟
كنت أعرف أشخاصا في بعض التنظيمات لكنني لم أنظم إلى أي تنظيم معين.
من كان قائد هذا التيار الإسلامي على مستوى الخطاب؟
الشبيبة الإسلامية وحدها هي التي كانت تقود التيار الإسلامي، برئاسة الشيخ زحل والشيخ عبد الكريم مطيع.
وبالنسبة لعبد الإله بنكيران؟
لم أعرفه إلا بعد أن دخلت السجن وليست لي به معرفة شخصية، خصوصا أنه ورفاقه أدوا الثمن فيما بعد بسبب قضيتنا مباشرة بعد محاكمتنا.
نحن الآن في سنة 1972 لا زلت لم ترتبط بأي تنظيم إسلامي.؟
أنا لم أنضم يوما لأي تنظيم قبل 1972 أو بعدها
إذن كيف تطورت الأحداث حتى فكرت في قتل عمر بنجلون؟
كانت جريدة “المحرر” الناطقة باسم الحزب الوطني للقوات الشعبية تصدر كل يوم أربعاء ، وكانت تتميز بخط تحريري ساخن…
هل كان خطها التحريري يمس بالإسلام ومقومات الدولة المغربية؟
حينما تقرأ أدبيات الاشتراكية كنت تلمس شيئا من التناقض فهم يقولون إن “لبا إله والحياة مادة”، في نفس الوقت يقولون إنهم يريدون التغيير ، ويقولون إنهم يريدون التغيير ويقومون بتهييج الناس وإخراج المظاهرات وإذا عدتم إلى التاريخ فستجدون أن جميع الذين حكموا المغرب انطلقوا من مرجعية إسلامية ومنهم المرينيون والأدارسة والمرابطون وصولا إلى العلويين.
لكن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وزعيمه ‘آنذاك عمر بنجلون الذي صاغ التقرير الإيديولوجي للحزب، ظهر أنه كان يريد شيئا آخر لهذا البلد.
ما الذي دفعك إلى التفكير في أن بنجلون يريد دولة غير إسلامية في المغرب؟
تكون عندي هذا الفكر بعد قراءة متتالية لجريدة “المحرر” آنذاك، ومن خلال منطلقات هؤلاء الناس وتيقنت أنهم كانوا سيؤدون بنا إلى أهداف أخرى.
ما هي الأهداف التي كنت ترى أنهم كانوا يريدون الوصول إليها؟
كنا نستنتج أن الاشتراكية هي مرحلة أولى من مراحل الشيوعية.
هل كنت ترى أنهم سيمنعون التدين في المغرب؟
من المنطلقات الأساسية لفكرهم كان من الواضح أن هناك نقط اختلاف بين فكري الإسلامي وبين فكرهم.
كيف تولدت لديكم الفكرة لقتل عمر بنجلون؟
أنا قلت لك، سئلت مرارا عن هذه القضية، وقلت إنه لم يكن هناك تخطيط، فلو كان هناك تنظيم معين هو من دفعنا لتلك العملية لكانت الوسائل المستعملة في القتل أكثر تطورا، وأعيد التأكيد أنه لم تكن هناك نية مبيتة. هنا نود أن تحكي لنا ما جرى بالضبط والتفصيل، لإثبات أن الحديث عن عملية اغتيال منظمة هو حديث غير صحيح… تحدثنا ،ا وأحمد سعد، صديقي الذي تعرفت عليه خلال حضورنا للخطب والدروس الدينية، من أجل التوجه بالنصيحة لعمر بنجلون وللتأكيد فإننا لم نكن ننتمي إلى أي تنظيم إسلامي.
من هو أحمد سعد؟
كنت ألتقي أحمد سعد في مسجد السنة عندما يأتي أحد الخطباء لإلقاء الدروس، وكان يقطن في حي بعيد عن اسباتة حيث كنت أقطن برفقة عائلتي وفي تلك الفترة كنا نلتقي في بيته أو في بيت أسرتي، للحديث حول الاشتراكية والأفكار التي أتت بها وتوجهاتها. وفي بعض الأحيان كان النقاش يتوسع مع باقي أبناء الحي من جيلي، وكان نقاشا عاديا مع العديد من الأصدقاء في جو مسالم دون اللجوء إلى العنف فيما بيننا.
في تلك الفترة، كان نقاش اليساريين مستفزا، خصوصا في مواضيع تهم إفطار رمضان وما إلى ذلك من المواضيع التي تعد خطوطا حمراء. هنا بدأت أهتم أكثر بالفكر الاشتراكي واستطعت التعرف على اليسار المعتدل والمتطرف…
في نظرك، هل كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ينتمي إلى اليسار المتطرف؟
لا أظن أنه كان يسارا متطرفا لكن كانت هناك عناصر داخل هذا اليسار تتجه نحو التطرف وحين كنت تقرأ جريدة “المحرر” آنذاك يتضح أن هناك تطرفا، وما كان عمر بنجلون يكتبه يفيد بأن الاشتراكية هي مرحلة أولى لبناء الدولة الشيوعية، مهما حملت من تسميات كالاشتراكية الديمقراطية أو الإسلامية أو العربية أو المغربية… هذه هي الخلفية التي كانت لدينا.
إحك لنا ما وقع يوم مقتل عمر بنجلون؟
كان آنذاك سعد أحمد يعمل في صنع الأحذية وأنا كنت عاطلا عن العمل ، قبلها كان لي دبلوم في التكوين المهني تخصص التعمير، واتفقت أنا وسعد على التوجه إلى عكر بنجلون لنصحه من أجل التوقف عن الترويج لفكره الاشتراكي، بحيث هو الذي كان يترأس الجريدة في تلك الحقبة، وهو شخص غير عادي وكانت له تطلعات كبيرة. فبنجلون كانت له حمولة وقاعدة انطلاق اشتراكية، والتقرير الذي قدم للمؤتمر حرره شخصيا بمساعدة أشخاص آخرين. وكان هناك المهدي بنبركة يحمل نفس توجه عمر بنجلون لكن هذا الأخير كان شخصية محورية وحتى عند ذكر الشخصيات المكونة للمشهد الاشتراكي كان شخصية مؤثرة. وبعد نقاش مستفيض بيني وبين صديقي سعد فكرنا في التوجه بالنصيحة إلى عمر بنجلون دون أن تكون لدينا خلفية للقتل، فذهبنا عند الرجل والتقيناه أمام بيته، حيث كنا نلتقي أكثر من مرة وهو الذي أعطانا عنوان البيت.
إذن سبق لكم وأن التقيتم عمر بنجلون فيما قبل؟
لا، كنا نتكلم معه عبر الهاتف ونتناقش حول الأفكار التي كان يحملها ، وأخذنا موعدا للقاء به أمام بيته، ووافق على أنم يلتقي بنا، والتقينا بالفعل أمام فيلته بشارع كان يسمى في تلك الفترة “كاميل ديمونا”، وأثناء مناقشتنا تطور الخلاف الفكري بيننا إلى ما وقع.
هل يمكن أن تحكي لنا بالضبط ماذا جرى بينكم؟
انتظرنا بنجلون أمام منزله قبل غروب الشمس، وما هي إلا لحظات حتى وصل بسيارته التي كان يقودها بنفسه. وقبل أن نتحاور معه سألنا عن هويتنا وعن أفكارنا، وحين بدأنا ننتقد أفكاره أبدى شيئا من الغضب فاحتدم النقاش، وقال لنا “منن أنتما حتى تتكلما باسم الدين؟ “فتشابكنا بالأيدي، وسط المارة، فالمكان كان يعج بالناس بل لقد كان هناك شرطي مرور غير بعيد عنا. وهنا أقول لو كان الأمر منظما لما قمنا بالعملية في مكان عام بالقرب من محطة وقود وأمام الناس.. وهي حجة تؤكد صدقية أن الأمر غير منظم، وأن ما وقع لعمر بنجلون في ذلك اليوم كان مجرد صدفة.
وإن لم تكن لكم النية في قتله لماذا حملتم سلاحا أبيض معكم؟
لم يكن معنا سلاح، لن حين احتدم النقاش وتحول إلى مشاجرة رأيت أن هناك مفك براغي بالقرب من مقعد السائق في سيارته فأخذته في حالة من الانفعال بعد أن استفزني فوجهت له طعنة قاتلة بينما كان يتعارك بالأيدي مع سعد.
ماذا حدث بعد ذلك؟ وهل حاولتما الهرب؟
وقعنا في حالة من الصدمة إذ أننا لم نتصور أن يقع ما وقع، فكال ما جرى كان خارج حسابتنا بعدها بدأ المارة في الصراخ وحاولنا الهرب لكنهم أمسكونا إلى أن ألقت علينا الشرطة القبض في نفس المكان.
أين توجهوا بكم؟
كل ما نعرفه هو ما قالوه لنا بأننا في مخفر الشرطة، حيث تم تعصيب أعيننا بعد اعتقالنا.
لماذا يعتقل شخص ارتكب جريمة وهو معصوب العينين؟
ربما انطلقت الشرطية من فرضية أننا ننتمي إلى تنظيم معين وكانوا يعتبرون أنها جريمة سياسية على درجة انه في الاستنطاق حين قلنا الحقيقة، خاطبني أحد المحققين قائلا :”آش تاتعاود ليا انت؟”، إذ كانوا يقولون إن لنا خلفية إسلامية ونحن كنا نريد أن نقنعهم بأننا لا ننتمي إلى أي تنظيم إسلامي .
ظروف التحقيق
كيف مر التحقيق؟
الذي مورس علينا في التحقيق لا يعلمه إلا الله، من الجلوس على القنينات إلى اعتقال جميع أفراد العائلة ومن ضمنهم والدي، وحتى ضيوفا من العائلة كانوا يريدون منا أن نعترف بأننا ننتمي إلى تنظيم إسلامي ويملون علينا ما يجب أن نقوم به، هنا يتضح أن الدولة كانت لها نية مبيتة.
وتبين أيضا أن البوليس السياسي كان يريد اغتنام الفرصة لضرب الجماعات الإسلامية، عن طريق إقحامهم في هذه القضية، المهم كان التحقيق بطريقة إرهابية، وكنا نسمع صراخ الناس، وفي اليوم الموالي جاؤوا بوالدتي ووضعوها أمامي أثناء الاستنطاق، وهي أشياء لا استطيع نسيانها حتى الآن. وأؤكد هنا أنه خلال التحقيقات الأولى، لم نأت على ذكر اسم الشبيبة الإسلامية، ولكن المحققين هم الذين كانوا يذكرونها ويسألون عن علاقتنا بها، وفيما بعد استغلت قضيتنا لضرب الإسلاميين.
كم من الوقت استغرق التحقيق والمحاكمة؟
في المجمل خمس سنوات مرت كلها بمدينة الدار البيضاء، وفي كل مرة يأتون بقاض جديد. وكنا موضوعين في السجن المدني المعروف عند العموم بسجن “غلبية”. بهذا السجن وفي حي المعتقلين السياسيين حيث وضعونا، كان يوجد الكثير من السياسيين اليساريين ومنهم عبد القادر الشاوي.
ومتى حوكمتم؟
في شتنبر 1980 بالدار البيضاء، وحكموا علينا بالإعدام أنال والأخ سعد، كما كان الحكم ذاته من نصيب كل من عبد الكريم مطيع وكمال إبراهيم.
بعد ذلك نقلوكم إلى سجن القنيطرة؟
أجل، وبالضبط على حي الإعدام الذي يسمى بجناح “باء” وكان مسجونا معنا اليساريون، لكننا لم نكن نلتقي بهم لأن كل فريق كان يخرج إلى الساحة في وقت معين وفي تلك الفترة كان أبرهام السرفاتي معتقلا أيضا، أما نحن الإسلاميين فكنا حوالي 12 فردا لم يسبق لنا أن تعارفنا قبل ذلك، وهي طريقة لكي تبرر الدولة أن هناك مجموعة إسلامية في السجن.
متى خرجتم من السجن؟
بقينا في السجن إلى أن تكونت هيئة الإنصاف والمصالحة واستفدنا من العفو وقضيت خلف القضبان 27 سنة كاملة، حيث دخلته وسني لا يتجاوز 20 سنة وخرجت منه وسني يبلغ 47 سنة.
هل ندمت على قتل عمر بنجلون؟
منذ أن وقعت الحادثة أحسست بالندم، وكما قلت، فأنا لم أكن أخطط لقتل عمر بنجلون وأنا اقدم اعتذاري إلى عائلة عمر بنجلون الصغيرة.
إن عاد الزمن إلى الوراء، هل تقتل عمر بنجلون؟
لا لن أفعلها. لو أعاد الوقت نفسه لضبطت نفسي، ولن أترك الانفعال يتحكم في تصرفاتي.
أنت اليوم تطالب بتعويض من هيئة الإنصاف والمصالحة كيف تطالب بذلك وأنت ارتكبت جريمة قتل؟
الدولة تتحمل المسؤولية في عدم تعويضنا، فقد كنا مساجين مع المعتقلين السياسيين ونظمت لنا محاكمة سياسية حين خرجت من السجن أصبحت عالة على عائلتي.
لكن أنت ارتكبت جريمة؟
قضيتي سياسية، فمثلا الذين شاركوا في الانقلاب لقلب النظام الحاكم بالمغرب تم تعويضهم فقضيتي يجب أن تأخذها الدولة بما فيها، وليس بتلفيق الأحداث، وكما لفقوا لنا الأحداث يجب أن يعوضونا عن السنوات التي قضيناها في السجن.
لا زلت تلتقي صديقك سعد؟
أجل نلتقي ولا نتحدث كثيرا عن تلك الفترة، لكن نتحدث عن الأوضاع وعن العائلة؟
تزوجت بعد خروجك من السجن؟
لم أتزوج لحد الآن، لأني لا أعمل، ولأني عالة على عائلتي.
هل قتل بنجلون غير حياتك؟
فعلا، دخلت إلى متاهة لم أكن أفكر فيها يوما، فحياتي الشخصية كلها دمرت ماليا وصحيا. وحين أعيد قراءة المرحلة أتأثر كثيرا.
كيف ترى اليوم حزب الاتحاد الاشتراكي وجريدته؟
الاتحاد الاشتراكي حين دخل الحكومة تعاطف الناس معه، والناس اليوم لا تهمهم الإيديولوجية لكن تهمهم الأوضاع المعيشية ولو بقوا في المعارضة لبقيت عندهم مصداقية أكثر، لأن من يهتم بهموم الشعب يكون الشعب معه.
بماذا تذكرك صورة بنجلون الشهيرة وهو ملقى على الأرض ميتا بجانب سيارته؟
تذكرني بالحادث فحسب وهي نتيجة لما لم نكن نريد القيام به.
هل من سؤال لم أطرحه عليك تريد أن تجيب عليه؟
نعم،أريد أن أطرح رأيي في قضية عبد الكريم مطيع، وأريد أن أقول بأنه بات من الضروري أن يعود إلى أرض الوطن وأن يعيش بين عائلته، كفاه تغربا، وعلى الدولة أن تسمح له بالعودة.
الدولة
ظل عمر بنجلون منذ تأسيس “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” يحمل مواقف جذرية من عدد من القضايا السياسية والاجتماعية التي شهدها مغرب الستينات والسبعينات وقد أدى هذا الوضع إلى خلق مشاكل مضاعفة لعمر بنجلون الذي كان قد برز حينها كقائد ميداني لا يشق له غبار، ولرفاقه الذين سيخرجون في يناير 1975 من الضلع الأيسر لجسم عبد الله إبراهيم التنظيمي، الإزعاج الذي بدأ موظف البريد القادم من مدينة وجدة يسببه للأجهزة الأمنية، ستكون له نتائج وخيمة عليه وعلى رفيقه محمد اليازغي؛ حين سيبعث لهما المسؤولون رسائل قوية الانفجار داخل طرد بريدي ملغوم، كان عبارة عن “كرطونة” مليئة بالمتفجرات، هزت حديقة بيت عمر بنجلون، وكادت أن تودي بحياة محمد اليازغي؛ بعدما اندلقت أمعاؤه خارج بطنه، بعد أقل من شهرين على محاولة اغتيال بنجلون سيتم اعتقاله في خضم أحداث مارس 1973 المعروفة بأحداث دار بوعزة ليبقى على ذمة الاعتقال حتى غشت 1974،حيث ستبرئه المحكمة العسكرية من المنسوب إليه وعوض أن يذهب بنجلون إلى بيته سيق على دهاليز المعتقل السري درب مولاي الشريف، ومنه إلى عرض البحر الذي اتخذت منه الأجهزة أداة للترهيب وهي تتوعد عمر بنجلون بدفنه تحت الأمواج؛ وكان الهدف من ذلك إرغام عمر على الاعتراف بأنه أدخل أسلحة من خارج المغرب، وأنه كان يخطط لاغتيال الملك الحسن الثاني. مسلسل الشد والجذب بين أجهزة الدولة وعمر بنجلون سيبلغ حلقته الأخيرة باغتيال “شهيد صحافة الاتحاد الاشتراكي” أشهرا بعد تعيينه مديرا لأكبر جريدة معارضة في ذلك الوقت كان اسمها :”المحرر”.
البيروقراطية
“للمرة الثانية يتم اختطافي وتعذيبي في أحد الأقبية. الأولى وقعت يوم 20 دجنبر 1961 على الساعة الواحدة والنصف صباحا. كان ذلك بمناسبة الإضراب العام الذي قررته فيدراليتنا الوطنية للبريد، كان إضرابا ناجحا وباهرا للاتحاد المغربي للشغل… اختطفت من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطة الفيودالية (الإقطاعية)، هذه الأخيرة قررت العملية عندما اقتنعت بأن الإضراب فعلي، كان لابد لها من مسؤول، رأس ثعبان تمارس عليه انتقامها الأخرق. وكان لي شرف هذا الاختيار”. هذه مقتطفات من نص الرسالة التي بعث بها عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق الكاتب العام ل”الاتحاد المغربي للشغل” في يناير 1963، يشكو له الانحرافات التي وصلت إليها المركزية النقابية الأولى في المغرب. وكان صراع عمر بنجلون قد بلغ أوجه مع التيار الذي صار يصفه بالانتهازي تارة، والتحريفي تارة أخرى ، ع