المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض
الشعب اختار بكل حرية أن تقوده حكومة حزب العدالة والتنمية في الخمس سنوات المقبلة، لقد وصل بن كيران إلى المبتغى وخرست كل الألسن التي كانت في محيطه تهدد المغرب بخيار النار والدمار إذا لم يصل الإسلاميون إلى الحكومة أسوة بباقي الدول المعنية بأوفاق سايكس بيكو الثانية، التي بموجبها يتم دفع العالم العربي إلى المزاوجة بين الإسلام السياسي والديمقراطية لخلق تجارب حزبية إسلامية شبيهة بأحزاب الديمقراطيات المسيحية في أوربا.
كل العدة كانت تُهيأ من أجل الطعن السياسي وليس القضائي في نتائج الاقتراع، كل التصريحات التي أدلى بها قادة العدالة والتنمية طيلة يوم الاقتراع كانت منددة بالظروف التي تمر بها الانتخابات، حتى يتم تهييئ الرأي العام لما هو آت، لكن عندما أعطت صناديق الاقتراع أغلبية كاسحة للعدالة والتنمية تحولت الأمور بدرجة 180 في المائة، وأصبح الشعب عاقلا والديمقراطية حقيقية.
لقد كان بن كيران يعرف أنه إذا لم يصل إلى الحكومة في ظل المناخ العربي الحالي فهو لن يصل أبدا، والآن ها هو وصل ووصلت معه الديمقراطية إلى محطتها الأساسية بعيدا عن التشكيك الذي عاشته لسنوات ولسنوات.
الآن باعتراف الجميع هناك مصداقية لما أفرزته صناديق الاقتراع ما دام أن الذي نال حظوة الثقة الشعبية هو حزب قدم نفسه للرأي العام على أنه مستهدف من أكثر من جهة، وأنه حزب يملك حلولا لمشاكل المغرب لم يتم تجريبها من قبل، وكان لا بد للمغاربة أن يثقوا فيه لأنه يدفع بتغليب الأخلاق في العمل السياسي، ويعتمد على آلية تعبوية داعمة ومزكية استوت في المجالس العلمية منذ سنوات، واستطاعت خلق رأي عام موالي للإسلاميين معتمدا بالأساس على برامج محاربة الأمية بتمويل من الدولة في الوسط النسائي في تجربة شبيهة بتجربة العدالة والتنمية في تركيا.
نجاح التجربة الحكومية للعدالة والتنمية يبقى رهينة إلى حد كبير بصدقية البرنامج الانتخابي للحزب الإسلامي، الصدقية وغياب الوعود الكاذبة فما التزم به الحزب في برنامجه الذي وزعه على عموم الشعب وفي تصريحات إعلامية هو بمثابة دفتر تحملات على أساسه كانت العلاقة التعاقدية لمدة خمس سنوات، لقد التزم بن كيران بقيادة حكومة ترفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم وتحقق نسبة نمو سنوية 7 في المائة، وتُخَفِّض العبء الضريبي على المقاولات وأشياء كثيرة على الرغم من أن هناك أطراف قالت كلاما غيره وشرحت أن هناك استحالة تحقيق هذا البرنامج نظرا لمناخ الانكماش الاقتصادي الذي يمر منه العالم.
فمن حق كل المغاربة اليوم أن يحتفظوا بنسخ من برنامج العدالة والتنمية في بيوتهم على الرغم من أنها ليست من صحاح البخاري ونسخ القرآن الذي تعتز بها بيوتهم، ولكن من أجل التمييز بعد خمس سنوات بين الوعد الصادق والوعد الكاذب، لأن من هنا يخسر الفاعل مصداقيته أو يربحها للأبد والأشياء بخواتمها.
لقد أخذ المغاربة علما بأن بن كيران قال أن حكومته لن تسير بالتِّلِكُومَندْ كما حدث مع الحكومات السابقة، ومن حيث المنطق فعليه ألا يتحالف مع كل الوزراء الذين كانوا يأتمرون بالتلكومند والذين ذهب إلى حد تسمية أحدهم بالكركوز، لقد أخذ المغاربة علما أن بن كيران التزم بمحاربة الفساد وعليه أن يحاربه ويشرك المغاربة إعلاميا بصولاته في محاربة الفساد ويكشف كل ملفات الفساد التي أبلى البلاء الحسن في محاربتها.
بن كيران أراد أن يحكم، وكان له ما أراد بإرادة المشروعية الشعبية فالمغاربة لا يحلمون إلا بالكرامة، وهو قال الكرامة الآن فلننتظرها بمفهومه الذي يعني الشغل والسكن والتطبيب منذ الآن، وعندما يتحقق وعده نقول إنك من الصادقين، وإذا لم يتحقق الوعد فلينتظر حسابه عند الجماهير بعد خمس سنوات، نتمنى ألا يفقد فيها الشعب الثقة بالعمل السياسي وتسقط ورقة الطهرانية عن الذي لعب ورقة الأخلاق بغير أخلاق.
كثيرون من عبدة الكراسي الذين اختار الشعب أغلبية من عائلات سياسية غريبة عنهم، ولأنهم أشخاص لا يؤمنون بالبرامج التي طرحوها على الشعب نسوا سرعة قياسة انتماءَاتهم للعائلات السياسية الكبرى، ويبحثون اليوم عن تحالفات تجمع بين المتناقضات حتى يفقد العمل السياسي كل مصداقية بجمع الصباغ والدباغ في ورشة واحدة.
العائلة السياسية للعدالة والتنمية معروفة وقربها على مستوى المنظومة الفكرية والجذور والآفاق معروف، لكن عبدة الكراسي يريدون أن يستمروا في ركوب المرسيدس على حساب أخلاق الوضوح والانتماء السياسي.
العدالة والتنمية يخطب ود الكتلة ممكن وهو نوع من الصواب السياسي، لكن من ينتظر أن تلتحق كل أطراف الكتلة بالأغلبية المقبلة لا يفهم التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، فقبل أربعة عشر سنة كانت هناك حكومة التناوب وكانت في نظر الكثيرين تشكل لحظة تحول في مغرب القطيعة مع الماضي وطرح آنذاك دخول الإسلاميين إلى الحكومة، ورغم أن بن كيران آنذاك كان مع الطرح، لكن القرار الحزبي كان الرفض واختار الحزب المساندة النقدية قبل أن تتحول إلى معارضة شرسة، وحصل نفس الموقف كذلك في إطار تكوين حكومة 2002 وكان إخوان العدالة والتنمية من بين الأحزاب التي عارضت الدخول وتركت عبد الرحمان اليوسفي يبحث عن تحالفات توفر الأغلبية العددية، ولو مع أحزاب مرفوضة في وسطه الحزبي، قبل أن تكتمل لعبة إجهاض التجربة بفعل حسابات عباس الفاسي ،الذي كانت له عين على المعارضة وعين على رئاسة الحكومة ويدخل خيار ادرسي جطو على الخط.
يمكن أن يقبل التقدم والاشتراكية دخول حكومة المحافظين ليجد نفسه بعد خمس سنوات لا هو بالعير ولا هو بالنفير.
يوجد المغرب اليوم أمام لحظة تاريخية نادرة من أجل خلق مغرب التقاطبات السياسية الكبرى التي تجمع بين الكتل السياسية ذات المرجعيات المتقاربة حتى يأخذ المشهد السياسي طبيعته الأقرب إلى المنطق.
الشعب اختار أن يجرب الإسلاميين فله ما يريد، وبعد خمس سنوات سيعرف الشعب إذا كان الإسلاميون في المغرب يتوفرون على نموذج للتنمية ويمتلكون الحصافة الضرورية لتسيير الشأن العام والتجاوب مع الانتظارات الكبرى للمغاربة.
كل العارفين ببواطن الأمور مقتنعون أن عنصر العذرية السياسية يمكن أن ينفع في نفخ أرقام صناديق الاقتراع، ولكنه لا يشكل عاملا من عوامل النجاح في التدبير وأن برنامج العدالة والتنمية يتضمن بين ثناياه مقبرة جماعية للطموح السياسي للعدالة والتنمية في تحقيق ولو 50 في المائة من دفتر التحملات السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عاهد الشعب على تحقيقه.
إنها أسطورة الفول الذي يحمل في ثناياه كل عوامل ظهور “البخوش” في أحشائه.
أكورا بريس