الملك محمد السادس يهنئ دونالد ترامب بمناسبة انتخابه مجددا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية
سواء تعلق الأمر بقنوات تلفزية، محطات إذاعية أو جرائد…فإن التحولات السياسية التي تقع خلال الأيام الأخيرة تساهم في تسريع التحول الذي سبق أن ظهرت بوادره بقاعات التحرير، إنه تغيير يسمح بحرية أكبر لكنه في نفس الوقت يزيد من حجم المسؤولية.
وبعيدا عن الصورة النمطية لصحافة تتحكم فيها بعض الوجوه التي لا تتغير، فإن المشهد الإعلامي للعالم العربي أكثر تنوعا وديناميكية مما نخاله، إنه متاهة معقدة من المجلات والقنوات والمواقع الالكترونية بالعديد من اللغات( عربية، إنجليزية، فرنسية)، جميع وسائل الإعلام هذه تستهدف ساكنة غير متجانسة تعبر عن العديد من المطالب المختلفة وفي بعض الأحيان متناقضة.
المعلومة، التحليل، التسلية، نقاشات المجتمع، الجرأة،الدين، التأثير، البيداغوجيا، الحياة العملية: عديدة هي الانتظارات والحاجات التي يعبّر عنها المستهلكون الذين لا يمثلون سوى نسبة قليلة من هؤلاء الناس العاديين، عاشقي المسلسلات المصرية والأشرطة الوثائقية للحيوانات. غير أنه، وعلى درجات مختلفة، تتوفر وسائل الإعلام العربية على نقطة مشتركة: فهي لم تنتظر قدوم سنة 2011 وما جلبته معها من مظاهرات وثورات لتقوم بعملية التحيين، فمنذ سنوات التسعينيات فرضت القنوات التلفزية (بما فيها قناة الجزيرة المثيرة للجدل) والثورة المعلوماتية على الصحافة المكتوبة، بما فيها تلك التي تنفر من التغيير، أن تتأقلم مع الوضع الجديد.
لذا لا يمكن اعتبار الربيع العربي هو من أحدث تغييرات في المشهد الإعلامي العربي، بل ساهم في ذلك، بعد أن لعب دور الضاغط على زر السرعة، كما حدث في تونس التي انتقلت من مرحلة “البرافدا”(جريدة الحزب الحاكم) إلى انفجار تحرري يصعب التحكم به. غير أنه وفي ظل هذا المشهد جد المتحرر الذي يتغذى من القلق والإشاعة والترقب المستمر، فإن أي خروج عن السكة الصحيحة من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، ولعل قضية “بيرسيبوليس” (فيلم فرنسي-إيراني عرضته قناة نسمة وأثار حفيظة المتطرفين في تونس وتسبب في اندلاع مظاهرات…) وردة فعل المتطرفين، التي تعود إلى القرون الوسطى، لخير دليل على ذلك.
الأمر الكيد هو أن وسائل الإعلام العربية أصبحت أكثر من أي وقت سابق فاعلا سياسيا، حيث صار لديها دور مهم لتلعبه من أجل تحقيق الأفضل، لكن يمكنها أن تتجه إلى تحقيق الأسوأ في ظل هذه الظرفية التي تتسم بالتعلم الديمقراطي، كما أن هناك من ينسى في بعض الأحيان مهمته الرئيسية: نقل الأخبار، ويرغب في أن يحل محل بعض المسيرين الذين يمرون بأزمة الشرعية، أو الذين صدر الحكم بعدم كفاءتهم للقيام بالإصلاحات المطلوبة.
أغلبهم يرمون ب”الشعلة” في يد المستهلكين، فديناميكيتهم وجرأتهم ورياح التجديد التي يتنفسونها تزيد من حدة انتظارات شعوب تعيش بمجتمعات أصابها الشلل، مجتمعات مكبوتة و محرومة من التطلعات، وهي نفس المجتمعات التي تريد من وسائل الإعلام، أحيانا، أن تلعب دورا ليس على مقاسها، ألا وهو التسيير وإصدار القرارات.
وفي الأخير، هناك بعض وسائل الإعلام التي تصارع للخروج من قوقعة القوانين التي كان جاريا بها العمل خلال فترة الأنظمة الاستبدادية، وتقوم بإعادة هيكلة نفسها لتتماشى مع المنافسين الجدد الذي يظهرون على شبكة الانترنت. وبالنسبة لجميع وسائل الإعلام، فإن هذه الظرفية تعتبر حقلا للعمل ينفتح أمامها، إنها مغامرة شيقة في قلب تحول تاريخي هام، إنها نهضة عالم بحاجة إلى تدارك التأخير وروي عطش التغيير. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الخصوص، فإن الأمر يرتبط بمسؤولية كبيرة ورثتها عن سابقاتها في هذا الميدان.
ترجمة نبيل الصديقي: عن Jeune Afrique